"ليبانون ديبايت" - علي الحسيني
إنّه السلاحُ المُتفلّت مُجدّداً. مرّة جديدة يضربُ سلاح "الفتنة" موعداً مع اللبنانيين من بوّابة المذهبيّة والطائفيّة، حاصداً الرعب في نفوس الأطفال والنساء والشيوخ. مرّة جديدة يُحاول فيها سلاحُ اللعنة فرض نفسه كبديل عن الدولة وكأمٍر واقعٍ لا صلاحيّة إنتهاء له، مهما قيل في المجالس، أو حُكيَ عن طاولات حوار أو استراتيجيات.
السلاحُ في متناولِ الجميع، هي حكاية من عمر هذا الوطن، لم يَستطع القيّمون على تثبيت الإستقرار الأمني في البلاد على مدى سنواتٍ طويلةٍ من وضع نهاية لها، بل على العكس، فهناك جهات ما زالت تؤمّن الغطاء لهذا السلاح المُتفلّت من كل الضوابط الأخلاقيّة سواء عن قصد أو من دونه، والنتيجة، ضحايا جُدد يُضافون إلى قائمة أسماء طويلة، دفع أصحابها حياتهم ثمناً للنزوات والتشبيح، وضرب أُسس الدولة وهيبتها.
ما جرى أوّل من أمس، حيث كان صوت الرصاص يحتلُّ ليل العاصمة بيروت وأرجاءها، وما جرى قبله في منطقة الطريق الجديدة وأيضاً في بلدتَي رياق والقصر البقاعيتَين، أعادَ اللبنانيون إلى زمنٍ كانت فيه الرصاصة بمثابةِ الحَكم بين المتنازعين، ولها وحدها الكلمة الفصل في ترجيح كفّة الجهة "الرابحة" و"الخاسرة". يومها، كان السلم الأهلي في المناطق والأحياء، مربوطاً بجنون المُعتدي وبندقيّة، وعقلانية المُعتدى عليه.
وسط حفلات الجنون هذه التي تطلُّ برصاصها وقذائفها على اللبنانيين بكافة مشاربهم وأطيافهم، تارةً خلال اشتباكات تحت عنوان "الثورة" وما يحصل على ضفافها من نزاعات مذهبيّة وطائفيّة، وحزبيّة، وطوراً على خلفيّة الصراعات بين "صراع أوخلال مراسيم عزاء أو مناسبات أفراح، تخرج دعوات من كل حدبٍ وصوبٍ، تُناشد الدولة للضربِ بيد من حديد كل جهةٍ أو فردٍ، تسوّل له نفسه، هزّ الإستقرار الأمني خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي تمرُّ بها البلاد بمنعطفات خطيرة، أقل ما يُقال فيها أن ثمّة أصابع جاهزة للضغط على الزناد، وأن ما يلزم هو فقط الأوامر.
من النافلِ القول، أن إطلاق الرصاص والقذائف بالإضافة إلى سقوط قتلى وجرحى، وإحتجاز الناس داخل منازلهم أو في أعمالهم، لَهوَ أمر أشدّ خطورة من زمن الفلتان والحرب المُعلنة خصوصاً في مناطق شعبيّة يغلب عليها الطابع الحزبي والإصطفاف المذهبي. وهذا الأمر ينطبق بالطبع، على العديد من المناطق المُمتدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب والتي لا يُراعي فيها المسؤولون عن موجات الفلتان هذه، لا حرمة الناس ولا خوف الأطفال، ولا حتّى وجود القوى الأمنيّة وللأسف، تضطر في العديد من الأحيان، إلى لعب دور "شيخ صلح" بين المتنازعين، بسبب غياب القرار أو الغطاء السياسي.
معروف أنه في لبنان، يُحصر صلاحية إعطاء رخص اقتناء السلاح وحيازته وحمله بمرجعية وزارة الدفاع، وينصّ القانون على حظر نقل الأسلحة والذخائر أو حيازتها من الفئة الرابعة في الأراضي اللبنانية، ما لم يكن الناقل حائزاً على رخصة صادرة عن قيادة الجيش وتُعطى لمدة ستة أشهر أو سنة واحدة ويجوز تجديدها.
وسط الحفلات الجنونيّة المتنقّلة، ثمّة سؤال يتبادر إلى الأذهان، من هي الجهة المسؤولة عن السماح لهذه الكميّات من الأسلحة التي يتم استخدامها داخل بعض القرى والمناطق، بأن تكون متوافرة بهذا الشكل الجنوني، وغبّ الطلب بين أيدي مجموعات لديها كامل الإستعداد لقتل الأبرياء بدم بارد وتدمير الأحياء وإحراق الأرزاق، فقط في سبيل الحفاظ على مصالح زعماءها؟
من بيروت وصولاً حتّى البقاع، يسألُ الأهالي عن دور الدولة في الحدّ من الفلتان المُتكرّر وفوضى السلاح ضمن مناطقهم، فالوضع بالنسبة إليهم لم يَعد يُحتمل ولا بدّ من معالجة جذرية تُنهي هذا السلاح وتُجبر أصحابه على وضعه بتصرّف الدولة. والأهالي أنفسهم يعرفون، أنه لا قرار سياسيّ حتّى الساعة بنزع سلاح الأفراد أو "العشائر"، إمّا بهدف إضفاء نوع من الحماية للزعيم السياسي، أو لأن أصوات الجماعات التي تنزل دفعة واحدة في الصناديق الإنتخابيّة، كفيلة بإبقاء الزعماء أنفسهم في مناصبهم.
في كل مرّة تندلع فيها شرارة الإشتباكات المُسلّحة الداخليّة، سواء على خلفيّات مذهبيّة وطائفيّة، أو عشائريّة وحزبيّة، يعود اللبنانيّون بالذاكرة إلى زمن الحرب الأهليّة، حيث كانت تعمد يومها اللجان الأمنيّة بعد فضّ الإشتباكات، إلى عقد اجتماع بين المتقاتلين لتحديد حجم الخسائر بين الجهتين، وغالباً ما كان يتم تحميل المسؤوليّة لجهات معروفة بإسم "الطابور الخامس"، ذلك بعد أن يكون القصف المُتبادل قد تسبّب بأضرار في الأرواح والمُمتلكات، مع وعود بدفع التعويضات.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News