"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
أن يلقيَ نائبُ بيروت نُهاد المشنوق اللوم في "إحراق العاصمة" على "1400 سنة من الحقد" وجهة سياسية نعتها بتحالف "شتم السيدة عائشة" فيه شيء من التحامل، بل الذم في معرض إستدراج الفتنة، لكونه يعلم تماماً من يتولى عملية إزهاق السلم الأهلي في بيروت.
صحيح أن وزير الداخلية الأسبق قد تركَ الباب موارباً أمام تعدد التفسيرات ومن خلفها الاستنتاجات من وراء كلامه، لكن المدقّق في خبايا الأمور يعلم جيداً الوجهة التي كان يقصدها المشنوق بالضبط، تبدأ بالضاحية نسبة إلى إتهامها بـ"أبوة حركة الموتوسيكلات" ولا تنتهي في عين التينة الشريكة في تقديم المساهمات العينية.
رصد المنصة الالكترونية التي يديرها الوزير السابق وفلتات أقلام أعضائها يوحيان بذلك ايضاً وبتوجيه "بوصلة الاستهداف" ناحية حزب الله إن لم نقل البيئة الطائفية لهذا الحزب، التي باتت تجد في هذا الوزن من الكلام استجراراً لفتنة أو إنجرافاً في مخططها لاسباب جد سياسية تقوم إنطلاقاً من التموضعات الجاري تثبيتها داخل بنيان الطائفية السنية بإستغلال التفسخ الظاهر في عناصر تركيبة تيار المستقبل سواء السياسية أو المناطقية.
استشراف المرحلة لدى المشنوق بدا عليه النقص الفاضح في المعلومات إن لم نقل قصور النظر في تحليل المشهد، ولو أردنا أن نكون منصفين وسطيين، لقلنا أن المشنوق يعلم هوية المجرم بالتحديد لكنه يوحي بعكس ذلك أملاً في رفع منسوب الاستثمار السياسي على أبواب التقلبات السياسية الصاخبة التي تعيشها الطائفية السنية منذ مدة.
إذاً فالمسألة مسألة "من يحشد أولاً" داخل الطائفة السنية. تتجاوز فكرة التباكي على بيروت التي أرادَ تعميمها من أعطى الأمر في إحراقها أولاً. متلقو الاوامر على الأرجح يعلمون كيف ينفذون لكن لا يدرون ماذا يفتعلون، لكن مصدر الأوامر يعلم، ويعلم جيداً أن في "إحراق بيروت" شد عصب سني اولاً وتوجيه بوصلة لطرف سياسي "خصم" ثانياً ومتى عرف السبب بطل العجب.
عملياً، لا يستوي القول أن المشنوق كان غائباً عن حقيقة ما جرى داخل العاصمة. رجل بصفات أمنية نسبةً إلى تبوّءه زمام الصنائع لفترة طويلة من الزمن لا يُعقل أن لا يكون قد نسج
"خيوط" في لعبة الامن تدله على الطريق وتوضح أمامه المشهد متى أراد، وعلى الأرجح تلك الوسائط دلّته إلى جانب من الداتا المفصلة التي باتت بحوزة القوى الأمنية، والتي تظهر إنضواء حالة بهاء الحريري ومساهمته في داخل التخريب بنسبة لا تقل عن 70% من ولاءات "الدراجين" الذين تم شراء ذممهم بالعملة الوطنية!
من صبرا حيث انطلاقة أولى أفواج الدراجات صوب الوسط. من هنا يُمكن البدء بتركيب "البازل" الذي يصل إلى حي فرحات متدرجاً من طريق الجديدة صعوداً نحو "المدينة الرياضية" حيث للخميس أب أشهرَ الولاء إلى "الحالة البهائية" بالمناداة من سوق الخضار. تبقى 30 في المئة توزعت على الضاحية، هي تقدير القوى الأمنية لخلاصة الليلتين. الاكيد أن المشنوق يعلم ذلك، وإن لم يكن يعلم فالمصيبة أكبر.
عملياً، لم يكن المشنوق محبذاً اذاعة الاسماء او الجهات المسؤولة حقيقةً عن الهرج والمرج الذي دار في العاصمة على مدار ليلتين متتاليتين، ربما، لعلمه أن النتائج لن تسفر عن شيء سوى زيادة في الانقسام داخل الطائفة السُنية، فارتأى تصويب الاتهام في اتجاهٍ آخر يفيد في عملية إستدراج العروض داخل الطائفة.
على العكس منه، فهم "الثنائي الشيعي" منذ اليوم الأول للدخول في "وحل" الليتلين أن ثمة "بركة من رمال متحركة" يُراد إيقاعه فيها. المشكلة أن تفلت الدولار من عقله أسس إلى خلط حابل المحتجين بنابلهم، ولم يكن في مقدوره أن يحجم جماعته عن الدخول في "جولات الموتوسيكلات" التي تداخلت فيما بينها، قبل ان يجري فرزها على وقع صياح الدراجين التي انقسمت بين شارعين، الطريق الجديدة والضاحية.
من هنا، كرّت سبحة الانسحابات ومن بقي كان مدفوع لأجل التخريب. مواجهات الليل كفلت تحديد هوياتهم. التراجع أمام رجال الأمن، وبحسب معطيات القوى نفسها، كان يحدث بإتجاه بشارة الخوري، ومن هناك كان يتوزّع "الدراجون" باتجاه أحياء بيروت الداخلية. لم يحدث أن رصد دخول للمحتجين إلى الخندق العميق على عكس ما أشيع. طوال ليلتين كان "انضباط حركة أمل" يقفل المخارج والمداخل بإستخدام الحواجز الحديدية منعاً للولوج أو الخروج!
على المقلب الآخر، كان حزب الله قد بدأ عملية الإنتشار داخل الضاحية وعند كافة مداخلها بالتنسيق مع حركة أمل والجيش اللبناني. كانت الأوامر منع خروج مجموعات الدراجات النارية من الضاحية "مهما كلف الأمر". من جهة ثانية، كان هناك من انكب على رصد تطبيقات المحادثة والشبكات الالكترونية محولاً استشراف أي دعوات للخروج. لم يحدث ذلك، بشهادة الأمن طبعاً، من خرجوا من الضاحية أعدوا نفراً قليلاً مقارنة بغيرهم. رغم ذلك، حدث ما حدث في الليلة التالية في بيروت، فمن يكون المذنب؟
في طرابلس المشهد نفسه تقريباً وإن اختلفت الاساليب. بدل طريق الجديدة، تحوّلت قب الياس وتعلبايا إلى مورد تصدير "الدراجين المحقونين" إلى طرابلس ليعثيوا فساداً في ليلها، بشهادة تقارير القوى الأمنية التي فاضت بياناتها بذكر أسماء المتورطين من الأنساب والمنتمين إلى "الدعوة البهائية" على أن يخلص التقرير في نهايته إلى إستدعاء من يجب استدعاؤه.
النائب المشنوق يعرف كل ذلك، لكنه لا يريد البوح بما يعرف وعلى الارجح لن يبوح طالما أن ذلك لن يصب في المصلحة السياسية، لكن تجميع المشاهد في "فلتات" متنوعة، من بيروت إلى طرابلس وطريق الجنوب يعطي صورةً واضحة على مآل الأمور ليفرّغ الكتابات من مضامينها.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News