المحلية

الخميس 18 حزيران 2020 - 03:01

الحكومة تَحجر على أموال سوريا؟

الحكومةُ اللبنانيّة تَحجرُ على أموالِ سوريا؟

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

لا يُمكن حسدَ حسان دياب على الموقعِ الذي هو فيه. الأزماتُ تتناسل من حوله. يكفيه الهمّ الداخلي حتى يأتيه الأرق الخارجي متمثلاً بقانون قيصر وما أدراكَ ما قيصر، وبين قيصر وبيروت قصة بدأت تُكتب فصولها تحت رعاية وإشراف السفارة الاميركية.

لم يعد ينفع التهديد الذي وجّهه مرجع كبير في 8 آذار عبر "ليبانون ديبايت" قبل أيام، من أن إنزلاق حكومة حسان دياب من خلال إجراءات تفيد في غرض محاصرة سوريا قد ينتج عنه عواقب وخيمة تتمثل بإعادة النظر في دور الحكومة ووجودها. صحيح أن التهديد كان يُراد منه إثارة إنتباه رئاسة الحكومة على الأرجح، لكن الظروف سبقته على لائحة الأولويات، فتلاشى عقب الأحداث السياسية التي طرأت على الساحة مؤخراً. ووسط الحاجة إلى حكومة ما زال الاركان الرئيسيون في الثامن من آذار يشدون على وسطها، باتَ قرار الاطاحة بها غير متوفر.

أصلاً، الثنائي الشيعي بوصفه حمّال هموم الحكومة ما غادر بقعة الوثوق بها وما راودته فكرة الإطاحة يوماً. كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل يومين واضح: "لا بديل عن حكومة حسان دياب"، لكن هذا لا يعني بمطلق الأحوال أن تُمنح الحكومة صكاً على بياض. المسألة دقيقة، وفي ظل هبوب رياح قيصر ووجود "أقنية تأثير" داخل السراي تتلوّن بألوان العلم الأميركي، يُصبح من الواجب التدقيق في كل شاردة وواردة وإسداء النصيحة دوماً حول الضرورات التي تقتضيها العلاقة مع سوريا.

لكن حديث الغرف شيء والوقائع على الأرض يشي بشيء آخر، بحيث يظهر أن نماذج من مسلسل "حصار سوريا إنطلاقاً من بيروت" بدأت بالظهور تباعاً، من الكهرباء إلى المصارف، وهذا له تفسير واحد، إما أن الحكومة تعلم فتسكت، أو هي مشتتة تبعاً لعوامل رزوحها تحت وابلٍ من الاهتمامات التي تفقدها التركيز فتضيع بين الملفات.

منذ مدة قصيرة أرسلت وزارة الكهرباء السورية كتاباً إلى نظرتها اللبنانية تطلب فيه تسديد المتأخرات المتراكمة و المتوجبة على الدولة اللبنانية لصالح الدولة السورية لقاء إمدادات الطاقة السورية والبالغة نحو 6 أشهر، لكن الجانب اللبناني طلب التريّث بحكم الازمة النقدية التي يرزح تحتها. الجانب السوري استجاب رغم الضائقة المالية التي يشعر بها هو الآخر. لكن ما أثار ريبته بروز عوامل "مثيرة للقلق" من الجانب اللبناني مع قرب دخول قانون قيصر مرحلة التنفيذ.

تزامن ذلك وإجراءات تتبعها المصارف منذ مدة بحق المودعين السوريين من فئة رجال أعمال. هؤلاء، ما زالوا يطالبون "تحرير" اموالهم المودعة لدى المصارف اللبنانية، لكن الجانب اللبناني يردد دوماً أن لا قدرة لديه على ذلك، وهو محكوم بسلة إجراءات تطبق على المواطن اللبناني تحت شعار "الكابيتال الكونترول" الذي يمارسه بشكل غير رسمي منذ مدة، ما حال دون الناس وأموالهم.

لدمشق تقديرها من وراء رفض إرجاع الاموال إلى أصحابها من السوريين، يندرج ضمن خانة "تقنين الدولار" بإتجاه سوريا والذي يتخذ نماذج عدة منه في لبنان بطلب أميركي صرف، أحدثها تعميم مصرف لبنان الأخير الذي أخضعَ اللبنانيين إلى "تفتيش أمني" تحت اشرافه من خلال الطلب إليهم تقديم "أوراق وإثباتات" حول السبب الذي يريدون من ورائه حيازة الدولار الأميركي كي يُسمح بصرفه لهم بعد ان يجري الاطلاع على الأوراق ليتخذ القرار في منح الموافقة من عدمها بمدة أقصاها 48 ساعة من تاريخ تقديم الطلب. خطوة لا هدف لها، بتأكيد مصادر مصرفية لبنانية، سوى التحري والتدقيق من إحتمالات ذهاب تلك الأموال إلى دمشق.

مردّ ذلك لا يعود إلى أسباب لبنانية في الظاهر. هنا عودة إلى دور الادارة الاميركية ووكيلتها المالية - السياسية في بيروت، اي السفارة، التي تحرص على عدم تسرّب أي سنت من لبنان تجاه سوريا إنصياعاً للعقوبات الاميركية، قيصر وغيره. وهي بالفعل قد وضعت طلبها أمام مصرف لبنان الذي تدرّج بالاجراءات الهادفة إلى منع تسرب "الدولارات اللبنانية" تجاه سوريا على النحو الذي نشهده حالياً.

واكبَ ذلك حملة إعلامية مدفوعة دارت حول رمي ثقل الأزمة في لبنان على سوريا من جراء طلبها للدولار ومحاولات "شفط" ما تبقى منه من بيروت وصولاً لإدراج أرقام ووقائع خيالية تفي عرض تبرير الإجراءات اللبنانية من جهة، وتأكيد حصول تسرب "دولاري" إلى دمشق من جهة أخرى.

يتقاطع كل ذلك مع ميول سياسية بدأت تظهر عوارضها على أكثر من طرف رسمي، على الأرجح باتَ يتجنب أي منهم إظهار وجود علاقات تجمعه مع دمشق مغبة ضمه إلى لوائح العقوبات "القيصرية" في ظل التهويل الأميركي الواضح، أحد الضحايا الذي سجل قيده مؤخراً "موفد رئاسي" اندثرت أي حركة له على خط بيروت - دمشق منذ مدة.

يدور كل ذلك تحت مرأى ومسمع حكومة حسان دياب التي تقول انها "تكنوقراطية - تقنية" تسعى إلى تأمين عوامل إنقاذ لبنان من أزمته المالية. كما يجري أمام أعينها عقاب سوريا إنطلاقاً من لبنان والبدء بمشروع حصارها. وبدل أخذ موقف إنطلاقاً مما يجمع لبنان وسوريا من إتفاقيات، تضع رأسها في الرمال وتصمت وكأن على رأسها الطير فيما وزرائها يتجاهلون طلبات استرداد الأموال السورية الموجودة في لبنان، سواء تلك المودعة لدى المصارف أو التي تدين بها الدولة اللبنانية لصالح الدولة السورية بذريعة عدم توافر دولار لنقله إلى سوريا. لكن في الحقيقة الخشية تأتي من الأميركي الذي يُراقب الاصول اللبنانية وقد اصدرَ سابقاً قراراً يمنع بموجبه فتح مجال لإرسال أي دولار إلى سوريا تحت طائلة اتخاذ إجراءات عقابية. ولولا مبدأ "الجيرة" لربما كانت دمشق قد لجأت إلى القانون الدولي لاستعادة حقوقها المحاصرة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة