المحلية

الجمعة 19 حزيران 2020 - 02:00

حزب الله أو الفوضى!

"قيصر"… يَمكرون ويمكُر الحلفاء!

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

عندما حلّ قيصر ضيفاً على الربوع اللبنانية لم يكن في وسعِ البعض إلّا رفع الأيدي، ولولا العيب والحياء لرفعوا الأرجل أيضاً. استسلموا قبل دخولِ القانون حيّز التنفيذ، ومظاهرُ الاستسلام كانت جليّة، وبينما كان البعضُ يذرفُ الدموعَ على الحال الذي وصلنا إليه، بادرَ آخرون إلى التسويق للضيفِ كمنقذٍ لهم فيما البلد يأنُّ تحت ويلات الدولار.

لما العجب؟ أصلاً ثقافةُ الاستسلام تغدو من شِيَم البعض، من الحلفاء قبل الخصوم. بعضهم، من أصحاب المجاهرة بالجميل وردّ الجميل، عند أول زخّة "قيصر" عمّموا أمر اليوم بضرورةِ سحبِ إسم سوريا من التداول. العودةُ إلى دعواتِ تنسيقٍ وتحسينِ العلاقات مع دمشق باتت من الماضي، الآن الهمسُ يدور حولَ كيفية تجنيب النفس عن قطار العقوبات. الخوفُ يسيطر عليهم، والخوف في كثيرٍ من الأحيان يجرّ الى التهلكة!

وبعضُ حلفاءِ حزب الله معلّمون لديه. لا حاجة لذكرهم في معرضه. ورقتهُم صارت مكشوفة. مع الأسف قسمٌ منهم مجرّد باحثٍ عن مصلحةٍ وفي أحسن الأحوال حليف على القطعة. مسارُ تشكيل الحكومات يَشي بذلك. لم ننسَ بعد ما دار خلف الأبواب الموصدة خلال مرحلة تأليف حكومة حسان دياب، وكيف إشتغلَ الحزب "قاضي صلح" لدى البعض وملبي رغباتٍ لدى الآخر، البعض الذي تركَ المضمون وذهبَ يتلهى بالقشور!

الآن الوضع هو ذاته، البعض منهم يتركون قيصر ويتلهون بقشوره.كلّ منهم يريد إنقاذ نفسه. "اللهم نفسي" عبارة تكاد تسمعها بوضوح. الحكومة تنطق بها. الوزراء أو ملائكة أحزابهم، كل منهم يبحث عن مصلحة حزبه وكيف يؤمن قطوع قيصر بحد أدنى من الأضرار. العهد يضيع بين أدراج العقوبات وفلتات الالسن ومراهقات المستشارين. دعكم من الرئيس ميشال عون، الرجل "همه على قدّه" وأصلاً لا يبيع. المصائب تأتي من الآخرين، من طالبي اللجوء إلى السياسة الاميركية، طرف يوحى له أن السبيل الوحيد لإنقاذ نفسه هو اللحاق بالقطار قبل فوات الآوان، لذا يتصرّف على هذا الأساس.

عبارةُ ريتشارد ميرفي تحضر مرة أخرى بعد 30 عاماً والمفارقة أنّها تأتي مجدداً وعون على رأس السلطة. قال حينها: "مخايل الضاهر أو الفوضى" كتعبيرٍ صرفٍ عن رأي الإدارة الاميركية، ويُقال اليوم "حزب الله أو الفوضى" والذي انخرطَ باللعبة في الماضي يعودُ وينخرطُ فيها اليوم من جديد.

يريدُ الاميركيون توسيعَ مسار تدخّلهم في لبنان بإستغلال "قيصر". وصلوا إلى قناعةٍ مفادها أن التّخلص من حزب الله بالسياسة والاقتصاد أقلّ تكلفةٍ من العسكر، لذا بدأوا هجومهم على أكثرِ من جبهة. الاقتصاد يجرُ السياسة، وبالتالي فإن مسألة العقوبات لها أهداف سياسية تلاقي الاقتصادية بالطبع. لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد، لذا لا بدّ من إدراك أن واشنطن تعمل على تمرير إرادتها داخلياً، بإستخدام الحصار والعقوبات، وطالما أنها باتت تتعاطى مع لبنان عبر سياسةٍ فجّة، إذاً فالمستوى السياسي غير بعيدٍ عن منطق تأمين الفوائد، وعلى الأرجح، ستعمل لاحقاً على تفسير حضورها بشكلهِ القاسي داخل تركيبة السلطة في لبنان من خلال الحكومة. هنا يُطرح سؤال: هل ما زالت واشنطن موافقة على حكومة حسان دياب؟

ظاهرياً نعم ضمنياً لا، هذا ما تشي به الأحوال. الصورة العامة تعطي إنطباعاً أن واشنطن تتقبل حكومة دياب، لكن هذا التّقبل لا يُرفع إلى سلم منح الدعم أو إخلاء سبيل الدول ذات القدرة على الدعم. ما زالت أبواب الخليج موصدة أمام الحكومة، إنه تعبير صرف عن ما تضمره واشنطن لحسان دياب. صحيح أنها تُجالسه وهذا من صلب براغماتية الادارة الاميركية، لكنه في الحقيقة ما غادر خانة عنوانها "رئيس حكومة حزب الله"... هكذا هم يفكرون!

وأصلاً، حكومة دياب تُسهم في جَلد نفسها وتفريق محبّيها عنها. صحيحٌ أن السيد حسن نصرالله شدّد على ضرورات وجودها وهذا بحث آخر، لكن الحكومة ما زالت تفتقر إلى الحد الأدنى من القدرة. هي لم تفعل شيئاً لردّ الهجمات عنها بل تُسهم في استقطابها، وحين تبرّع حزب الله مثلاً للمساهمة في حمايتها لم ترد له الجميل، بل حين حلّ زمن العقوبات كشفَ مسار الدولار عيوبها، ماذا فعلت لتردَ الضغوطات عنها وعن البلاد؟

يَظهرُ حسان دياب غير متحكّمٍ بإدارة اللعبة مع الغرب، وهذا مفهوم طالما أن الركائز المطلوبة غير متوفرة. من الطبيعي هنا أن تفكر واشنطن بغيره، أصلاً المسار الناشئ الآن من خلف العقوبات يَشي بترتيبِ المسرح اللبناني إنسجاماً مع الرغبات الاميركية. هنا عودة إلى مبدأ الفوضى. كيف تصرّف واشنطن مطالبها، هل من خلال ترك لبنان ينزلق نحو فوضى أهلية تتحوّل إلى فوضى سلاح، أم يجري تمرير المتغيرات بالاحتكام إلى السياسة كنتيجة لسلاح العقوبات؟

السلطةُ الجديدة التي يجري إعدادها منذ الآن أو تأمل واشنطن في ترسيخها، تتّسمُ بحفظ الرغبات الاميركية. الأميركيون يركّبونها قطعة قطعة على المسرح، لهذا نجد سرعة لدى جبران باسيل مثلاً نحو سلوك المسارات الاميركية ولو بشكلٍ متعرّج، وربما يؤمّن، من خلال مفاوضته الادارة الاميركية بإستخدام "الاصدقاء المشتركين"، نجاته من "حفلة الجنون" وربما موقعاً ضمن التركيبة. هنا عودة إلى حديث الرئاسة!

الحكومةُ ليست بعيدة عن هذا الجو. نعود إلى موقف الادارة الاميركية من حسان دياب. هو متروكٌ لتقطيع مرحلة، أو تمرير وقت بين مرحلة وأخرى وعلى الأرجح لا موقع مخصص له في الفترة المقبلة رغم طينته النظيفة والطينة ليست عملة قابلة للعرض في السياسة. لدى واشنطن اسم بل أكثر من اسم جاهز ومتوفر دوماً. نواف سلام واحد منهم، وسمير حمود حالة مفترضة. يمكن قراءة التوجهات الاميركية من فلتات النائب "الإنجيلي" في كتلة المستقبل نزيه نجم. خذوا الاسرار من الإنجيليين!

مَن يقول بعودةِ سعد الحريري ربّما هو أبكمٌ أو أصمّ أو أقلّه لا يقرأ المتغيّرات السياسية. أضحى الحريري عملة "بالية" أميركياً، وما تمسّك الثنائي الشيعي به إلّا لهذا الغرض. أنه يُكرّر آخر مرحلة من حياة رفيق الحريري، يوم إنقلب على من أتى به سياسياً إلى لبنان!

هو مسارٌ يبدأ إقتصادي ثم ما يلبث ان يتحوّل إلى سياسي. اصلاً، السياسة متواضعة ضمن قيصر لكنها غير مرئية اليوم، طالما ان التركيز يجري على الملف الاقتصادي.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة