"ليبانون ديبايت" - روني الفا
كلامُ أمين عام حزب الله حولَ التحوُّل إلى الشّرق لَم يُقابَل في بعضِ المَزاجِ السياسي بِبُعدٍ جِيوسياسي. إستعجَلَ البَعض إدخالَهُ في جَدَل بيزنطي. بعضُ الرّدود كانَ أشبَه بِنَشيد وَطَني. البَعض الآخَر بِتجديد أوراق إعتِماد إقليميَّة ودوليَّة. ليسَ المَطلوب إثبات مِصداقيَّة السيِّد. إستِنتاجُ المِصداقيَّة يأتي نتيجَة فَهمِ الأَبعاد. بعضُ القَوى السياسيَّة سارَعَت إلى تَكرار إنحيازِها إلى الولايات المتّحِدَة ودُوَل الخَليج على خلفيَّة مَوقف السيِّد نصرالله. لا بأس، إنَّما البُعدُ أَبعَدُ مِن رَدٍّ فَوري والأفُقُ المستَهدَفُ في كلامِ السيِّد أوسَعُ مِن إنفِعالاتٍ وطنيَّة. تسليعُ المواقِف السياسيَة في بَلدِنا يؤكِّد في كلّ فترَة بأنَّ التِجارَة لا تَقتصِر على الأرزّ والبنّ والفول السوداني فحسب بَل تتخطّاها إلى الإتجار بِمصائِر الأوطان.
صُلبُ المَوضوع. أن يَدعو أمينُ عام حزب الله للتحوّل شَرقاً هوَ اقتِراحٌ جيوسياسيٌ إستراتيجي. بالتأكيد المَوقفُ الأميركيُّ من القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ ومِن إيران شكَّلَ دافِعاً بإتِّجاه الخَيارِ الشَّرقي عموماً والصّيني بالتّحديد. بالتأكيد ليسَ الحافِزَ الأَساس. نحنُ أمامَ خَيارٍ مَطروحٍ لِنِقاشٍ أرادَه سيّد المقاوَمَة هادِئاً، متَّزِناً وهادِفاً. إستِدرارُ مِليار دولار لإثباتِ صَوابيَّةِ الخَيار أمرٌ سَهلٌ لكنّه سيَكونُ استِجابَةً لمَطلَبٍ غير إستراتيجي.
صُلب التّبسيط. العالَمُ يتّجهُ بِخُطىً متسارِعَةٍ نحوَ حربٍ بارِدَةٍ بين الولايات المتَّحِدَة الأميركيَّة والصّين. بارِدَةٌ لكِن مَوضوعَة عَلى نارٍ هادِئَة. بالطّبع روسيا قوّةٌ عُظمَى إنّما بِذِراعٍ إقتِصاديَّةٍ ضَعيفَة. لينين سافَرَ إلى ماو وسلَّمَه مهمَّةَ متابَعَةِ الثنائيّةِ القطبيَّةِ بعدَ أن سلَّمَها غورباتشيف طائِعاً مُختاراً إلى رونالد ريغان في العام 1989. الشيوعيَّةُ هاجَرَت مِن موسكو إلى بكّين.
الصّين تَفعَلُ كثيراً وتَقولُ قَليلاً. أَفعالُها تجعلُنا نستَنتِجُ أنَّ الديمقراطيَّةَ بالنّموذَجِ الأميركي لَم تَعُد تأشيرَةَ دخولٍ حصريَّةٍ إلى الإقِتصاد العالَمي. هذا بِحَدَّ ذاتِه فيلمُ رعبٍ بالنسبَةِ للنموذَجِ الرأسمالي المتوحّشِ الذي صدَّرَتْه الولايات المتَّحِدَة بعدَ أن وَضعَت الحربُ الكونيَّةُ الثانية أوزارَها.
نحنُ والحالَة هذه أمامَ حَربٍ حقيقيَّة. الأرجَحُ أن تبقَى بارِدَةً بسببِ تَكافؤِ القِوى. في اوَّلِ مناسَبَةٍ تتأكدُ فيها إحدَى القوَّتَين العُظمَيين مِن أنَّ غريمَتَها ضَعُفَت ستتحوّلُ الحَربُ البارِدَةُ إلى ساخِنَة. لا يهمُّ أينَ ستندلِع. الأماكِنُ عَديدَةٌ ومنطقةُ الشّرقِ الأوسَط إحداها على أمَلِ ألا يَكون لبنان صندوقَ رَسائِل الحَرب.
في هذه المواجهَة لَدَينا نموذَجان مِن القادَة. ترمب الإنِفعالي وَتشي الذي حَباهُ الله بوجهٍ يُحاكي لاعِبَ البوكِر: مَحجوبٌ عَن القِراءَة. أحفادُ ماو معروفون بهدوءِ أعصابِهِم. إخِتصاصُهُم إقِتصادٌ منزوعُ العواطِف.
في هذه المَعمَعَة يقِفُ الروسي عندَ سورَين. سورُ الصّين العَظيم وسورُ ترمب المَرفوعُ بينَ الولايات المتّحِدَة والمكسيك. يَميلُ الروسي إلى الأوَّل. سورُ الصّين تمَّ بناؤُه بِحجارَةٍ عزَلَت الصّين عَن أعدائِها وفتَحَتها عَلى فلسفَةِ الإنتاج. سورُ ترمب رُصِفَ بجدرانٍ إسمنتيَّةٍ عزَلَت أميركا عَن نفسِها وفتَحَتها على فلسفَةِ إقِتصادِ الحروب.
تصريحُ السيِّد نصرالله عَن الخَيار الشَّرقي يدخلُ ضمنَ هذا السياق. ليسَ برأيِنا في سياقِ تَغييرِ وجهِ لبنان الثقافي والإقتِصادي. تغييرُ وجهِ العالم يفترضُ مِنّا خيارات تُبقينا على قيدِ الحياة.
المنطقَةُ تتأرجَح. الصّلواتُ الصادِقَةُ تنصبُّ عَلى بَقاءِ الحرب عَلى درَجَةٍ مَقبولَةٍ مِن السّخونَة. إذا كانَ الإنتقالُ شَرقاً يضمَنُ عدَمَ إحتراقِ لبنان فَليَكُن. هذا ليسَ قَدَراً نُكرِّر. الأمرُ يستحقُّ عَناءَ الدّعوةِ إلى مؤتَمَرٍ وَطَني بَدَلَ التلّهي بأمورٍ ثانويَّة.
النقمَةُ الأميركيَّةُ على الصّين مخيفَة. قالَ ترمب في تصريحاتٍ متلفَزَةٍ وموثَّقَةٍ أنَّ تَهديدَ الصّين أكثرُ خطورَةَ مِن إعتِداءِ بيرل هاربور ومِن تَدمير بُرجَي التِّجارَة العالمِيَّين. مُفيدٌ التّذكير أنَّ الإعِتداءَ الأوَّل حَسَمَ دخولَ أميركا في الحرب العالميَّة الثانيَّة والثاني أدخَلَها في حربٍ خاسِرَة ضدّ الإرهاب ما زاَلَت تَدورُ رَحاها منذ أكثَرَ مِن عشرينَ سنة.
لبنان ليسَ بِمنأى عَن هذا التمزّق. قَلاقِل سيتمُّ إفتعالُها في العالَم. تضخيمٌ لقضيّةِ حقوقِ الإنسان في هون كونغ وتشجيعُ الأقلياتِ الإسلاميَّةِ على الثورَة في الصّين. تَدعيشُها ليسَ مستَبعَداً. لبنان ملعَب جانِبي. ربَّما يُستَعمَل بلدنا لِتَدريب هذه الفَصائِل وتَصديرِها. علينا تَصليب خاصِرتنا الرّخوة حتّى لا نتحوَّلَ إلى معسكَرِ تَدريبٍ أقليميٍ لِداعِش.
الصّين دخَلَت إلى باكِستان وباَتَت تسبَحُ في البَحرِ الأحمَر وبَحرِ العَرَب. شطُّ لبنان مَفتوحٌ ودَاعِش استَطيَبَت منذ أيامٍ الَّلعِبَ على صخورِه قبالَةَ مَطار بيروت الدّولي.
" جَعلُ لبنان عَظيماً مِن جَديد " هيَ العِبارَةُ المضّادَةُ التي يَجِب أن يتبنّاها اللبنانيَّون يافِطَتَهم في المرحَلَة المقبِلَة في مواجَهَة " جَعل أميركا عَظيمَة مِن جديد" والتي كانَت العَمود الفِقَري لحملَة ترمب الرئاسيَّة. التحوَّلُ شَرقاً ليسَ مسألَةً إقتِصاديَّة. ليس المليار دولار هو الأهمّ. نحنُ أمامَ مسألَةٍ تتعلَّقُ بالأمنِ القَومي لَنا جَميعاً ولِسنوات طَويلَة. لا يُمكنُ التّعاطي مَع هذه المسألَة إلا بِشعورٍ قَومي. لا مَكَان لِمشاعِرَ أخرَى في خضّمِ هذا البركان المُريب في هدوئِه والمُخيف في ما يخبّىءُ لَنا مِن مفاجآت.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News