المحلية

placeholder

صفاء درويش

ليبانون ديبايت
الخميس 06 آب 2020 - 04:01 ليبانون ديبايت
placeholder

صفاء درويش

ليبانون ديبايت

حافيةٌ فوق الزجاج

حافيةٌ فوق الزجاج

"ليبانون ديبايت" - صفاء درويش

وكأنّها سكرات الموت، عاشتها بيروت ولم تستفق منها على الفور. بعد 24 ساعة على الزلزال يشعر كل من يدخل شارع الجمّيزة من ساحة الشهداء أنّه داخل إلى القسم الشرقي من حلب عام 2016.

أبنية متصدّعة وأخرى انهارت بشكل كلّي. الزجاج في كل مكان. مستشفى الوردية تُشعرك وكأنّ طيران معادٍ قصف منطقتها بأكثر من غارة. كل شيء ليس على ما يرام. تحت جسر شارل حلو المشهد موحش، وكأنّك في إحدى ساحات فيتنام مباشرةً بعد اعلان وقف اطلاق النار. حتى القطط في ذلك المكان المواجه لمرفأ بيروت، تنحّت جانبًا. قد يكون لتنشق انبعاثات المواد الكيمائية تأثير عليها، كما على كل المارّين من هنا.يتجمهر الناس ليحاولوا التقاط صور للمرفأ والأبنية المجاورة، حتى أنّ أحدهم أصرّ على اتخاذ "سيلفي والدمار خلفي"، يهزأ مما وصل حال البلد إليه فيقول أنّه لو أراد بعد خمسين عامًا إخبار أحفاده عن ما عاشه في الـ2020 لما صدّقوه، فكانت السيلفي ليقول أنّه مرّ من هنا.

وفي الطريق من شارل حلو إلى ساحة الشهداء تحاول التقاط أنفاسك وإقناع نفسك بالسيناريوهات التي يتحدث عنها الجميع والتي تسببت بالتفجير الهائل، وبينما تسعى للخروج من صدمتك يعاجلك بيت الكتائب بصدمة أكبر. كل مكاتبه وغرفه الداخلية مدمّرة. ما لم تفعله حروب بهذا البيت تسبب به تفجير ببضعة ثوانٍ. الصدمة هنا على وجوه الجميع، كيف لا وهم خسروا عزيزًا وأحد أهم روّاد البيت. في المقابل مبنى النهار، حيث ارتدى الديك السواد واستمر في الصياح. الحياة ستستمر.

من تقابله في محيط المرفأ هم ثلاث أنواع من الناس. من أتى مشاهدًا متحسّرًا، ومن أتى مساعدًا غائثًا، ومن كان هنا وتوقفت حياته عند لحظة التفجير المشؤوم. لدى هؤلاء هواجس عديدة. هواجس حقيقية قد تكون لدى بعضهم وجودية. من سيعوّض عليه زجاج منزله وأثاثه وسياراتهم هم الذين دفعوا "دم قلبهم" عليهم طوال سنوات؟ هل هي الدولة العاجزة أم الهيئة العليا للإغاثة من أموال المساعدات الدولية، أم بلدية بيروت؟ أجواؤهم كما وجوههم لا تعكس تفاؤلًا. انهمرت عليهم المصائب في وقت لن يتحنّن عليهم أي مصرف بمالهم الذي أودعوه لديهم. الترميم والتعويض ليس هاجسهم الوحيد، فمع ساعات المساء يطل الهاجس الأمني برأسه من بعيد. "الليلة الماضية ما نمنا، بس اليوم بدنا ننام."

من سيحمي هؤلاء وعائلاتهم؟ اقترح أحدهم أن يؤمن الجيش مداخل أبنيتهم بعنصر كل مئة متر، ولكن هل بإستطاعة قيادة الجيش تأمين حرس لنصف أبنية بيروت؟ يقول محافظ بيروت أن نصف المدينة مدمّرًا أو مصدّعًا، وبالتالي حماية الأبنية غير ممكن. إنّها الفاجعة.

بيروت اليوم هي كإمرأةٍ تصفها إليف شافاق في كتابها " عشر دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب" أنّها رُميت في مكان ما بعد موتها، ولكنّها بقيت مستيقظة واعية لكل محيطها, لا تقوى على النهوض ولكنها تدرك بحق من يسعى للنهوض فيها ومن يمر ويلقي عليها نظرات الشماتة ويمضي. ستقف بيروت بعد حين، وتسير حافيةً فوق الزجاج، هي التي لم يكسرها اجتياح ولا فساد ولن يدمّرها تفجير خاصرتها.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة