"ليبانون ديبايت" - حسان حسن الرفاعي
بعد أن حُصِرَ التمثيل الشيعي بثنائيّة أمل - حزب الله بكلفة آلاف القتلى من شباب الطائفة، وبعد أن احتكرت هذه الثنائيّة ما اُسمِيَ بـ "الميثاقيّة الشيعية"، قامت بربط وصول المواطن الشيعي إلى أيّ من حقوقه في الوظيفة العامة وفي الأسلاك العسكرية والقضائية، العدلية والشرعية منها، بنيلِ رضاها وبركتها. وبعد أن صنّفت الشيعة مواطنين أنقياء شرفاء وآخرين عملاء مرتزقة، أضحى بالإمكان القول أن هذه الثنائيّة خطفت الطائفة الشيعية بأكملها وسيطرت على رقاب وأرزاق مواطنيها ودجّنتهم بقوة السلاح والسّحسوح كما شدّت العصب المذهبي عبر ترداد شعاراتٍ تستنهض الغرائز.
كذلك، قامت هذه الثنائيّة باحتكار التمثيل الشيعي داخل مجلس النواب وفي الحكومة ممّا مكّنها من فرض إقفال مجلس النواب في وجه المحكمة الدوليّة واحتلال وسط بيروت وخنق الحياة فيه واجتياح أحياء العاصمة وقتل وترويع أبنائها وتعطيل الإنتخابات الرئاسيّة لإيصال مرشّحها وفَرْضِ قانون انتخابات نيابية سَحَقَ أيّ منافسة شيعية إنتهاءً بالإتيان برئيس حكومة أشبه بالدُمية.
لقد تمّت كلّ هذه الجرائم والإرتكابات باسم المصلحة العليا للطائفة الشيعيّة.
واليوم تقوم هذه الثنائيّة رغم وعدها بتسهيل مبادرة الرئيس ماكرون بالتشبّث بوزارة المالية كحقّ مُكرّس لها وبالثلث المعطّل للحكومة وبتسمية كافّة الوزراء الشيعة بهدف امتلاك سلاح "الميثاقيّة" جاهزاً للإستعمال عند أي طارئ.
بالمقابل حرص الرئيس ماكرون على مسايرة هذه الثنائيّة ولم يتطرّق إلى موضوع سلاح المقاومة ولا إلى الدويلة داخل الدولة ولا إلى دور الثنائيّة في الفساد العام وأبعد عنها أيّ مسؤوليّة في انفجار المرفأ وتخزين الأمونيوم وتجاهل حُكم المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولم يتطرّق إلى القرارين الدوليين 1559 و 1701 وأطلق فكرة عقد سياسي جديد يُعطي على الأرجح مزيداً من الحقوق الدستورية للثنائيّة كما وقف إلى جانب إيران في مجلس الأمن والأمم المتّحدة.
لذلك نقول للرئيس ماكرون ولكل من يُفكّر بصرف السلاح لقاء مكاسب في الداخل:
1- إنّ من يُسيطر بسلاحه على مقدّرات الدولة والمواطنين لا يُكافأ بعقدٍ سياسيٍّ جديد.
2- إنّ من يمتلك 27 نائباً شيعياً من أصل 27 وكافّة الوزراء الشيعة في أيّ حكومة هو ديكتاتوراً جرّد المواطنين الشيعة من حرّيتهم وروّضهم وهو قطعاً ليس ممثلاً ديموقراطياً عنهم.
3- إنّ من يُطالب ظاهراً بالدولة المدنية يقمع المحتجّين المدنيين والشيعة منهم ويعتدي عليهم أبشع اعتداء.
4- إنّ أيّ حكومة تحصر التمثيل الشيعي بالنقاوة العرقية للثنائيّة هي حكومةٌ ملغمةٌ جاهزةٌ للتعطيل عند أول إشارة.
5- إنّ أي قانون انتخابات نيابية يسمح للثنائيّة بالإطباق على كلّ المراكز الانتخابية الشيعية مرفوضٌ قطعاً ولو امتطى بعض المطالب الانتخابية للثورة.
6- لقد جعل الدستور انتخاب رئيس مجلس النواب لمدّة أربعة سنوات دون إمكانية مساءلته سبباً لتحكّم هذا الرئيس بالسلطة التشريعية وإخضاعها لأهواء الثنائيّة.
7- كما جعل الدستور إقالة أيّ وزيرٍ خرج عن الإجماع الوزاري أو امتنع عن توقيع المراسيم المقرّة أمراً منوطاً بموافقة ثلثي زملائه الوزراء ممّا يَضرب حُسن سير عمل السلطة التنفيذية برمّتها. فإقالة أيّ وزيرٍ مهما كانت حقيبته ومهما كانت طائفته يجب أن تعود إلى تقدير رئيسيْ الجمهورية والحكومة الّلذين سمّياه كما في الأنظمة البرلمانية حيث يتمّ التبديل الوزاري تحت رقابة السلطة التشريعية.
8- لا شيء اسمه توقيعٌ معطّل في أي نظام كان، فرئيسيْ الجمهورية والحكومة والوزراء ملزمون جميعاً باحترام الآليات الدستورية، والوزير المُعتَرِض على قرار الأكثرية يستقيل أو يُقال فوراً.
9- إنّ سلاح حزب الله الذي لم يُسلّم إلى الدولة بعد الطائف بحجّة أنّه سلاح الدفاع عن الجنوب والوطن، تأكّد مرّةً جديدة أنه سلاحٌ موجّه إلى الداخل من اجل إبقاء لبنان ورقة مساومة في يد إيران ومن أجل فرض إرادة الحزب على الوطن والمواطنين. إذ كيف يُفَسَّر أن ينبريَ المفتي قبلان مهدّداً بنسف لبنان الكبير لمجرّد أنّه استشعر محاولة تفلّت لبنان من هيمنة الحزب وقبضة إيران.
10- إنّ إلغاء الطائفية وإن كان مرتجى غالبية الّلبنانيّين إلّا أنّه لا يمكن أن يتمّ مع بقاء حزب الله ممسّكاً بكتلة ناخبة شيعية تقترع بصوت واحد لأنّ حقوق المواطن لا يمكن أن تمرّ عبر أولياء أو أمراء الطوائف لأيّ طائفة أو مذهب انتموا.
11- إن تحرّر الصوت الشيعي من ثنائيّة أمل - حزب الله هو المدخل الجدّي للدولة المدنية، دولة المواطنة التي يتساوى فيها كلّ أبنائها والتي ينقسم فيها المواطنون شيعة وسنّة ومسيحيين بين موالاة ومعارضة بعيداً عن الإصطفافات الطائفية.
12- إنّ قوى وأحزاب 14 آذار تتحمّل مسؤولية كبرى عن عدم سعيها الجدّي في تظهير وإنجاح الصوت الشيعي الحرّ بل هي باعت واشترت مع حزب الله ومع أمل مراراً.
هذه قناعتي التي عبّرت عنها منذ كانون الأوّل سنة 2009 عبر مقالة في جريدة النهار أنهيتُها بالآتي: "إنّي أدعو بصدق وقبل أي إصلاح إلى تظهير تعدّدية الرأي الحرّ لدى الطائفة الشيعية... عندها ستنفرج التعقيدات الدستوريّة وسيمكن إيجاد القانون الإنتخابي المُلائم لشعب لبنان بتعدّديّته وسيصبح من المستحيل أن يدّعي أي زعيم أنّ الطائفة وأبنائها في خطر إذا لم يصطفّوا وراءه... هذا هو لبنان الذي كان يجب تطويره وتحصينه... عندها لا يعود من خوفٍ على انفراط الجيش مذهبياً ولا يعود بإمكان أحد أن يُعطّل أو يؤخّر انتخابات رئيسية ولا أن يُقفل المجلس النيابي.
واليوم يمكنني أن أُضيف: إنّه لن يعود من سبب لانقضاض المفتي قبلان على لبنان 1920 وصيغة 1943 ولن يعود من مسيحيٍ مطالبٍ بالكونفدرالية كنظام خلاص للبنان. أمّا "العقد السياسي الجديد" الذي لوّح به الرئيس الفرنسي فتنتفي أيّة حاجة إليه.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News