المحلية

الجمعة 23 تشرين الأول 2020 - 04:00

ليلةُ تنازلات الحريري...

ليلةُ تنازلات الحريري...

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

يُعيد رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري الذي بات منذ الأمس رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة، إحياء "تسوية 2016" لكن بالمقلوب. وقتذاك، كان ثمّة طرفان في التسوية، ولاحقاً إنضمَ إليهما أكثر من طرف ما حولها إلى "تسوية حكم"، أما اليوم وبنسختها الحالية قيد الإعداد، مترامية الاطراف و"الكل بالل ايدو فيها".

طبعاً، الكلام أعلاه لا ينطبق على رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر اللذان اتخذا لنفسيهما موقعاً متقدماً على سُلّم الرفض. حزب الله لا يُعد منصاعاً تماماً للتسوية المستجدة. في الواقع هو يتموضع في المنتصف تماماً كما كان يفعل وليد جنبلاط لكن مع هامش أوسع في المناورة. ثمّة من يشبّه موقع الحزب اليوم بموقع جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي بالأمس، أي بيضة قبّان تفصل وتجمع بين العهد القديم والعهد الجديد!

نفّذ الحريري انقلابه السياسي مبرراً عودته إلى "بيت الطاعة" متذرّعاً بـ"تطبيق بنود المبادرة الفرنسية". كما إلتفَ سابقاً على التيار الوطني الحرّ ورئاسة الجمهورية في ربيع التسوية الرئاسية يعود وينقلب اليوم على "الانتفاضة" التي ركبَ موجتها ذات تشرين. اختار الحريري "إحراق المراكب" مع الثورة. لمشهدية "إحراق القبضة" دلالات. هكذا يكون الحريري قد عاد إلى صلب الطبقة التي ما خرج منها يوماً إلا سعياً وطمعاً وراء العودة إليها معزز الشروط.

كما فعل سعد الحريري سابقاً يعود ويفعل اليوم. عام 2016 كبّل نفسه بمجموعة تفاهمات علنية إلى حدود أن جعلت منه أسيرها، وتراكم نتائجها السلبية حوّلها إلى صاعق، سرعان ما إنفجرَ به لاحقاً. في عام 2020 يعود لتكبيل نفسه بتفاهمات مشابهة مرّة أخرى، لكن هذه المرّة من تحت الطاولة. اتفاقات عقدها في الربع ساعة الأخير مع رؤساء الكتل التي سُرّب أنها ميّالة نحو تسميته، في فترة فاصلة ما بين موقعه القديم كنائب ورئيس تيار وموقعه الجديد كرئيس مكلّف تأليف حكومة.

كما كان متوقعاً، ظفرَ الحريري بـ65 صوتاً ما يشكل مجموع نصف مجلس النواب تقريباً. عددياً، يقود الرقم إلى تراجع سعد الحريري سياسياً بين زملائه من أعضاء النادي وهو الرقم الأدنى لتكليف رئيس حكومة منذ إبرام إتفاق الطائف والادنى للحريري منذ أن دخل المضمار السياسي. أمر آخر، أظهرَ "بوانتاج" تكليف الحريري مدى هزالة الثقة بينه وبين الشركاء وبين الحلفاء أنفسهم وتالياً تركيبة النظام التي وصلت إلى الحضيض، والرقم الهزيل إنما يحمل على رسالة سياسية واضحة لا لبس فيها إلى الحريري مصدرها الاكثرية الفعلية لا الملحقين سياسياً بها.

عملياً، يكون الحريري بذلك قد نجح على الحفّة، ونجح في استمالة بعض رؤساء الكتل بعد أن لمس في الساعات التي سبقت التكليف إحتمال أن يحوز على رقم أدنى من ذلك الذي سُجّلَ بكثير. كان هاجس الحريري قبل ليلة من الاستشارات أن لا يهبط في التسمية إلى ما دون سقف 60 صوتاً ويسجل سابقة قد لا يسبقه إليها أي رئيس مكلف في المستقبل. شكل رقم 5 بكل احتمالاته الرّقمية بالنسبة إلى الحريري هاجساً وتنازل إلى درجة أن يقبل بأي شكل من أشكال الرقم ٦، المهم أن ينحصر التكليف ضمن هذا المستوى.

طوال ليلة ما قبل الاستشارات إنكبّت "ماكينة" المستقبل على إحصاء الكتل وأعداد النواب المفترض مشاركتهم نهار الاستشارات ثم فرزها بين "معنا وضدنا". أكثر رقم تفاؤلي وصله الحريري كان تسمية ضمن سقف 56 صوتاً. لم يتقبلها الرئيس الذي يعلم أنه بات مكلفاً قبل الاستشارات، لكنه مع ذلك أراد أن يكسب نصراً معنوياً. أمام "شح الارقام" انبرى إلى تحريك "مسيرته" السياسية مقدماً على إنجاز أكثر من إنزال خلف خطوط الكتل المتأرجحة في التسمية أو تلك التي لم تسمه في اي استشارات سابقة.

في الطريق إلى ذلك تنازل إلى حد أن بادر إلى جرد الكتل النيابية واختيار منها الاصدقاء بصرف النظر عن درجة صداقتهم، ثم التواصل معهم هاتفياً من أجل إقناعهم بتأمين تسمية. حدث ذلك مع النائب أسعد حردان رئيس الكتلة القومية الاجتماعية. صحيح أنه ليس مصنفاً من فئة أصدقاء الحريري، لكن رئيس تيار المستقبل أراد صوت حردان وبقوة كما أرادَ صوتي جهاد الصمد وزميله جان طالوزيان. إستمالة رئيس الكتلة المتمرد على قرار حزبه رفض المشاركة في التسمية وقبل ذلك رفض قبول نتائج الانتخابات الحزبية، أتاحت للحريري الظفر بمجموعة أصوات إضافية، على ضعفها لكنها جاءت مفيدة. كما حدث مع حردان حدث مع آخرين. النائب جان طالوزيان معيار، وربما غيره حدث أن نالوا إتصالات "مناجاة ليلة" حريرية المصدر قلبت آرائهم في ساعة.

الآن، ما هي الوعود التي أسداها الحريري إلى "الخارجين" عن كتلهم واحزابهم حتى إختاروا التمايز ووهب أصواتهم له؟ هذا مدار بحث وتنقيب خلال الأيام المقبلة، ولمرحلة التأليف أن تكشف الكثير من أسرار المرحلة. الثابت حتى الآن، أنه وفي ظل محاورته رؤساء وبعض الكتل السياسية، باتت الحكومة تقترب من أن تكون ميالة أكثر صوب حكومة متوازنة لا إختصاصية صرف.

تنازلات الحريري على حافة الاستشارات ستقود إلى تنازلات أكبر عند ضفة التأليف حتماً. المسألة تبدأ بهيكلية الحكومة ثم برنامجها وبيانها في شقه السياسي. صحيح أن الحريري أعلن أنه يريد حكومته أن تكون من ذوات الدم الاختصاصي الصرف، لكن التمعّن في الواقعية السياسية لا يوحي بذلك إطلاقاً، بدليل أن إبرام الحريري لصفقات "تحت الطاولة" مع كتل تمثّل أحزاباً، لن يكون مردودها حكومة إختصاصيين صافية، في أقل تقدير يُرجح أن تأتي على صفات حكومة إختصاصيين يسمون من قبل أحزابهم... وللحديث صلة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة