المحلية

الأربعاء 04 تشرين الثاني 2020 - 03:00

إشتباكٌ لبنانيّ - اسرائيليّ في الناقورة!

إشتباكٌ لبنانيّ - اسرائيليّ في الناقورة!

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

حتى هذه اللحظة، يُمسك الوفد اللبناني بملف ترسيم الحدود الموضوع على طاولة الناقورة غير المباشرة بطريقة ممتازة، لكن هذا الفعل وعلى صوابيته، يُرتب على الوفد متاعب شاقة، طالعها أميركي وباطنها خطاب "طعن" مصدره لبناني.

لم يكن في وارد الاميركي أو الاسرائيلي منح لبنان حقاً تحت أي نوع كان من خلال التفاوض. جل ما أراده "الثنائي" جرّ لبنان إلى الطاولة تحت شعار "الحاجة"، في ضوء وضع إقتصادي ومالي حرج، ومن هناك، يجري البدء بسحب التنازلات تدريجياً بالجملة والمفرّق! فعل كهذا، وفق التقدير الصهيو-أميركي، كان له أهداف عدّة، من جملتها إفقاد الثقة بالجيش اللبناني والتأسيس على ذلك في ادخاله بنزاع مع المقاومة وشريحة واسعة من اللبنانيين تحت شعار "التفريط بالمكتسبات"، ما يعني حكماً وضع لبنان أمام عاصفة أهلية مرّة، لها وظيفة عملانية واحدة، "تلبية الغاية الاسرائيلية"، فيكون مردودها إيجابياً لصالح العدو.

لكن الرياح سارت بما لا تشتهيه السفن الاميركية والاسرائيلية. منذ اليوم الأول للمفاوضات غير المباشرة، ظهر الوفد اللبناني العسكري – التقني على صورة المقاومة العسكرية، ممسكاً بأوراقه وبقوة. بدل أن يجرنا الاسرائيلي إلى فخ خلافي محلي، تمكن الوفد بفضل حنكته من جرّ إسرائيل إلى خلاف داخلي، ما أثار علامات الاستفهام لدى مستويات إعلامية - سياسية وصلت إلى حد التشكيك بمسار المفاوضات برمته والنتائج المتوخاة منه، في انقلاب واضح على التسويق الاسرائيلي منذ البداية للخطوة على أنها "باب من أبواب التطبيع، وسيجرّ على تل أبيب نجاحات". هذا الانقلاب له اسبابه طبعاً، حدث ذلك بعد أن سحب الوفد اللبناني من جعبته "صاعق" خرائط ومستندات ودراسات تُظهر وبوضوح ملكية لبنان لـ1430 كلم2 من مجمل ما تتألف منه المنطقة الاقتصادية، لتمثل إنفجاراً معنوياً للاسرائيلي، متخطياً بذلك خط "هوف" الذي أراده الاسرائيلي والاميركي سقفاً لبنانياً للتفاوض ضمن شعاع 860 كلم2.

عملياً، الوفد ومن خلال هذا التكتيك، ثبّت أن سقف حدوده يصل إلى مسافة أبعد من النقطة 23 التي حددها المرسوم رقم 6433 عام 2011 بمسافة إضافية تبلغ 1430 كلم2 عمّا أقرّه المرسوم المذكور والذي ينص في المادة الثالثة منه على إمكانية التعديل في المنطقة الاقتصادية الخالصة عندما يتبين وجود طرق أخرى للترسيم تُعطي لبنان مساحة إضافية في مياهه وثورته. الذكاء في طرح هذه المعادلة يأتي في أنها قدمت على طاولة مفاوضات رسمية برعاية أممية مباشرة، ما يعني إدخال تعديل إلزامي على تصنيف المنطقة، من منطقة حدود مفترضة إلى منطقة "متنازع عليها" وفق المصطلحات الدولية.

هذا التحوّل، الزمَ اسرائيل بمنطق التفاوض حول 1430 كلم2 لا 860 كلم2 كما كانت تطمح. وتحت الصدمة، اندفعت صوب الاستنجاد بأصدقائها في مسعى إلى الضغط على بيروت للتراجع عن مطالبها، ففرّغت الولايات المتحدة سفيرها للمهمة لتحط في قصر بعبدا طالبةً العودة إلى "خط هوف". بنتيجة المتغيرات التي طرأت، أضحى هذا الخط بالنسبة إلى المفاوض اللبناني ساقطاً عملياً، ما يمثل حكماً ضربة إلى الراعي الاميركي الذي لم يكن في ظنه أن يجنح الوفد اللبناني صوب طرح كامل الحقوق اللبنانية على الطاولة!

قد يقول قائل أن لبنان، وفي ظل كل الدعم الاميركي الواضح للجانب الإسرائيلي متوازٍ مع آخر مستتر مصدره الامم المتحدة التي شارك ممثل أمينها العام يان كوبيتش في الجولة على القصر الجمهوري إلى جانب السفيرة الاميركية، لن ينجح في تحقيق مراده في سحب الطرح اللبناني. ولو افترضنا إحتمال حدوث ذلك، تُصبح مهمة الوفد عندئذٍ تثبيت الحدود اللبنانية الصحيحة كما جاء في الدراسات، والبدء انطلاقاً منها في مشوار التفاوض مع العدو على خط آخر يجري رسمه على الطاولة، ما يعني كسباً لكيلومترات تساوي مئات المليارات من الدولارات!

الطرح اللبناني مثّل ازمة عند الجانب الآخر من الحدود بشقين سياسي وتقني. فالمستوى السياسي لدى الاحتلال بدأ ينظر على أن الدخول إلى المفاوضات بدل أن يكون مردوده ايجابي باتت الأجواء تميل إلى احتمال يترتب عنه دفع أثمان وتكبد خسائر معنوية. فالشركة اليونانية صاحبة الامتياز في الحفر والتنقيب عن الغاز في حقل "كاريش" الواقع عند خط قيادة الجيش (1430)، بدأت تضرب أخماساً بأسداس، ما رتب على وزارة الطاقة الإسرائيلية إصدار بيان لطمئنة أولاً، الشركة ومن خلفها شركات اخرى ساعية إلى دخول المضمار، ثانياً، المستوى الشعبي والسياسي الواقع تحت هول الصدمة.

فعملياً، تل أبيب باتت ترزح تحت مشكلة فعلية مع تلك الشركات، التي تشترط توفير ظروف أمنية مؤاتية كي تنجز عملها. الشركة اليونانية، كانت تعول في نجاح خططها على "حقل كاريش" على أساس انه بعيد عن حدود منطقة النزاعات مع لبنان. الآن ومع تقديم المفاوض اللبناني خرائطه الجديدة بات الحقل في عمق المنطقة المتنازع عليها، بل أن "خط 1430 كلم2 قسم الحقل إلى نصفين وهذا يفرض معادلات جديدة منها ان الشركة لم تعد مطلقة التصرف في الحقل وغير قادرة على نصب ولو حفارة واحدة!

ثمة مصدر قلق آخر أكثر رعباً بالنسبة العدو وشركات التنقيب. حزب الله بصفته المقاومة، كان قد بنى رؤيته سابقاً في مجال تحديد الحدود البحرية على الموقف الرسمي اللبناني. فحين تُحدّد الدولة نقطة على أنها الحدود كما فعل الوفد، سيتعامل مع الأمر على هذا الاساس، وفي حال كانت محتلة، سيدرجها على قائمة أولوياته كما سبق ووعد السيد حسن نصرالله. هذا السيناريو أثار مخاوف الشركات المستثمرة التي ارتفع صوتها قبل ايام تطالب بإيضاحات، وقد يدفعها "الذعر والخشية" ليس إلى وقف أعمالها فقط بل إحتمال الخروج من المنطقة كلياً. سيناريو كهذا سيرتب على تل أبيب خسائر بالجملة...

كل ذلك، لم يدفع إلى إثارة إعجاب جانب محلي بأسلوب الوفد المفاوض اللبناني. بدل مؤازرته، تبنى وجهة النظر الاميركية - الاسرائيلية، ساعياً الى ترويج أجواء حول الاثمان المترتبة وإحتمال تكبيد لبنان نتائج إفشال المفاوضات، بمزاعم تخفي بين طياتها تهديدات مبطنة إلى الوفد، الهدف الظاهر منها دفعه إلى التراجع وممارسة ضغوطات عليه. يترافق ذلك مع بدء ظهور بوادر عن ضغوطات وتدخلات سياسية تُمارس بنية "تليين" مواقف الوفد من غير ان تظهر لها اي مضاعفات أو نتائج حتى الآن، فالوفد حسم أمره: "التفاوض يبدأ من خط 1430 كلم2".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة