"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
"ولا ضربة حكومية" سجلت منذ تاريخ تفشّي "وباء الخلاف" بين ثنايا "لقاء الرئيسين" الأخير في قصر بعبدا. الرئيس سعد الحريري عاد ليمارس اللعبة التي خبرها على الدوام، "الاعتكاف". جلس في بيت الوسط، ونظّم برنامج الردود على قصر بعبدا ثم أحاله إلى قياديين في تيّار المستقبل تولوا تذكير رئيس الجمهورية بما سبق وردّده الحريري في جواره.
الأزمة التي فجّرت المباحثات يُمكن تلخيصها بإرتكاز الرئيس المكلف عند طلبه المشاركة في تسمية ٨٠٪ من الوزراء المسيحيين عبر رفع لوائح وعرضها على رئيس الجمهورية. هو يرى ذلك أنه من حقه ما دام ان الخيار هو "تأليف حكومة اختصاصيين"، وهو ما لا يرضى به الرئيس إطلاقاً.
بالنسبة إلى قصر بعبدا، ما يطلبه الحريري عبارة عن "إطلاق الرئاسة الرصاص على أقدامها". بمعزل عن كل الامور التي تحمل على الظن أن الحريري يطلب من الرئاسة ما عجز عن طلبه من الآخرين، يرى القصر أن حصر التسميات بالحريري في آخر سنتين من عمر العهد، إنما يؤسس إلى وضع رقبة ميشال عون على مقصلة الحريري السياسية، فيصبح رهينة لحكومة تبدو من طالعها وأسلوب تأليفها أنها مرشحة لتدوم لأكثر من عمرها المفترض أنه سنتين!
مع ذلك، الطرف الآخر يدّعي ملكيته لحجة لها ان تُسقط مخاوف "فريق العهد". فحيازة هذا الأخير وحلفائه للاكثرية النيابية تعادل عملياً حيازة "ثلث معطل في الحكومة"، وبالتالي لا معنى لكل هذا الضجيج المفتعل في القصر، فـ"هم يتحكمون ويحكمون ومتى أرادوا إسقاط الحكومة يستطيعون".
لكن، هذا الكلام لا يسري على الواقع، فالحكومة ملقىً على عاتقها معالجة أكثر من ملف حيوي، يريد العهد وشركاؤه المشاركة في صنع القرار وإنتاج الحلول والمراقبة من الداخل، فالقضية قضيتهم، لا الاكتفاء في المشاهدة فقط والتصويت برفع الايدي. ثم أنهم وفي الثلث الأخير من عمر العهد، ليسوا في وارد تعميم منطق الاشتباك على الثلث المتبقي أيضاً، فما معنى اللجوء إلى طرح الثقة في مجلس النواب عند كل مرّة تُطرح قضايا على طاولة مجلس الوزراء أو تتخذ قرارات لا يوافق عليها الطرف الاقوى ضمن المعادلة السياسية الراهنة؟ هذا يُعيدنا إلى نهج حكومات ٢٠٠٧ وهذا أمر مرفوض!
ثمة على الطرف الآخر من يستخلص من كل الاجواء، انطباعاً مفاده أن النزاع الحقيقي الدائر على ضفة تشكيل الحكومة لا علاقة له بمبدأ الصيغة الحكومية أو توزيع الوزراء أو ومبدأ احقية تسميتهم، والحديث الجاري حول خلاف على التسمية المسيحية يُعرقل التشكيل بعدما جرى انجاز ما نسبته ٧٥٪ من الاتفاق الحكومي، مجرّد كلام إعلامي وعناوين" لا تهدف سوى إلى إشاحة النظر عن السبب الحقيقي لهذه العرقلة، وهو العقوبات. فالعقوبات الاميركية، ما نفذ منها حتى الآن وما سينفد لاحقاً، هي جوهر القضية، اي القضية التي لا يجد السياسيون تشريعاً لكيفية التعاطي معها.
بالنسبة إلى الحريري، القضية قضية نجاة من محرقة. رئيس المستقبل المهدد قبل غيره بالعقوبات، مستعد لأن يحرق الجميع كي ينجو بنفسه، وها هي العقوبات الجاري الحديث عنها حول شمولها اطرافاً سنية واضحة. بهذا المعنى، الحريري ليس في وارد السماح للتيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله وتيار المردة –المعاقبين اميركياً- التقرير في مسألة الحكومة، وما ينسحب على التيار او الحزب، ينسحب على المردة والحركة وبالعكس!
هذا الجو تعرفه عين التينة جيداً، لذلك بدأنا نلاحظ عودة العتب ليخيم على أجواء الرئاسة الثانية من جراء تصرفات الحريري. من الواضح أن رئيس تيار المستقبل إنقطع عن اللقاء بمعاون الرئيس بري النائب علي حسن خليل منذ مدة، وهذا إنما يندرج ضمن خانة "خشية الحريري من العقوبات"، لذلك بات التنسيق "شبه منقطع" مع بري، الذي لم يكن مهادناً حين ألمحَ إلى إعتراضه على كل السياق الذي يجري اعتماده في التأليف.
أضف إلى ذلك، أن بري الذي يتحضر لتدشين "خط عسكري" بنية الضغط بإتجاه التأليف قبل نهاية الشهر، أبلغ رسائل استيائه إلى بيت الوسط لا سيما بعد ما تنامى إليه من معلومات حول أن الحريري قال خلال لقائه الاخير مع الرئيس ميشال عون، أنه "سيُعيد النظر بموقفه في مسألة التسمية في وزارة المالية"، في ما معناه أنه يريد أن يصبح شريكاً في التسمية مع الفريق الشيعي، وهو ما يعني بدء مشوار الحريري للتنصل من التزاماته، أي عملياً تدشين مشكل جديد.
ثمة معطى غريب يحوم فوق الحريري، فالرئيس المكلف الذي تمتع بهامش حركة مريح عند بداية تأليفه بات يخسره الآن، وعملياً، يبدو أنه خسر زخم التأليف كنتيجة طبيعية لتطويق نفسه بجملة التزامات قطعها لأكثر من فريق، وجد عند حلول موسم العقوبات أنه ليس في وارد تحقيقها، فبدأ مشوار التراجع إلى الخلف.
وللحقيقة، إن هذا المشوار "مشروع خاسر"، لا سيما وأن الحريري يعلم أنه بات يتموضع ضمن الدائرة الحمراء رازحاً تحت ضغط المُهل. فالفرنسيون ابلغوا، ولمرة أخيرة، أنهم يريدون حكومة في مهلة أقصاها بداية الشهر المقبل، اي قبل عشرة ايام من الموعد المفترض لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت المضبوطة على ساعة الحكومة.
على المقلب الآخر يبدو حزب الله مرتاحاً. هو في الاساس لم يتدخل في مسار تأليف الحكومة و"ما خصه" رغم كل الجلبة التي يجري إحداثها ويتم عبرها تناوله بصفة "جهة مقرّرة في التأليف"، وهي في نظره "مفتعلة للتغطية حول الاسباب الحقيقية للازمة". الحزب وقبل مدّة، أبلغ إلى الحريري "من خلال قنوات" أن ما كان يطلبه في الحكومة تحقّق بعد أن نال إلتزاماً منه بوزارة المالية، أما المسائل الباقية فمجرّد تفاصيل مستعد لحلها عبر "وحدة الخليلين" حين يفرغ الحريري من مفاوضاته مع الآخرين وهو ما لم يحصل بعد.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News