"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
توحي حركة السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا كما لو أن إدارة دونالد ترامب باقية في البيت الأبيض لأربع سنوات مقبلة. تستأنفُ برنامج عملها السياسي كالمعتاد وكأن شيئاً لم يتغيّر، تطلبُ مواعيد من مرجعيات وتزورها ثم تبدأ بالحديث أمامهم على الدرجة السياسية السابقة، ومن خرم إبرة الحديث تتسلّل بنيّة إجراء فحص درجة قرب هؤلاء من حزب الله ومدى نسبة حساسيتهم منه، وتكرّر على مسمعهم المعزوفة نفسها: "يجب أن تكونوا على مسافة من الحزب".
وجّهت هذا الكلام سابقاً إلى رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وتكرّره اليوم على مسمع رئيس مجلس النواب نبيه بري، بل تزيد وتطلب منه إعادة ترسيم حدود علاقته مع الحزب. في المرة الأولى سمعت الردّ السلبي ولم يعجبها فجاءت النتيجة إيجابية على شكل إدراج جبران باسيل على قوائم العقوبات باستغلال "قانون ماغنيتسكي" ويرشّح أن ينزل ضيفاً على قوائم "اوفاك" واخواتها وربما تحمل الزيارة إلى نبيه بري نتائج مشابهة في ضوء درجة السلبية ذاتها.
أنها المرة الثالثة على التوالي التي تُصدر الادارة الاميركية تلميحات مباشرة إلى الرئيس نبيه بري باحتمال ضمّه إلى قوائم العقوبات. المرة الاولى وردت في توصية لـ"لجنة الدراسات التابعة للحزب الجمهوري في مجلس النواب الاميركي"، الثانية أتت تنفيذية على شكل إدراج معاونه السياسي ويده اليمنى النائب علي حسن خليل، الثالثة جاءت على لسان شيا قبل 3 أيام على إثر استقبالها من قبل بري في عين التينة.
صحيح أن التلميح الثالث لم يصدر بالمباشر أو أن شيا تعمّدت بثّه بطريقة فاقعة بل تعاملت مع الأمر ونقلته كما أتى من واشنطن، لكن مجرد الاشارة تكفي لفهم أبعاد ما يُحاك أميركياً، فطرحها موضوع حزب الله ومحاولة الاستفهام من بري عن حدود علاقته مع الحزب، لا سيما بعد أن نشطت حركة العقوبات، ونصحه بأخذ مسافة منه، جميعها عوامل تؤشّر إلى أن الادارة الاميركية عازمة قبل مغادرة دونالد ترامب، على توجيه ضربة إلى الذراع التنفيذية الثانية في الثنائية الشيعية!
في الواقع، ما غادرَ رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل العقل العقابي للادارة الاميركية ابداً. قبل أشهر قليلة صدرت دراسة عن "لجنة الدراسات" التابعة للحزب الجمهوري الاميركي والتي تتولّى عادةً رفد النواب الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي بالتوصيات، أوصت بفرض عقوبات على "قادة لبنانيين متحالفين مع حزب الله"، ضمّت إلى جانب وزير الصحة السابق جميل جبق ووزير الخارجية السابق فوزي صلوخ والنائب جميل السيد، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه برِّي.
لاحقاً، وبعد أشهر قليلة، نقلَ مصدر حكومي إلى بيروت معلومات عن توجهات لضم الوزيرين السابقين سليم جريصاتي وجبران باسيل وآخرين إلى لوائح العقوبات ومعهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالذريعة نفسها: "تقديم دعم إلى حزب الله والاستفادة منه والمشاركة في الفساد وتمكينه من تعزيز نفوذه السياسي"، وهي "جرائم" تستوجب "الإعدام السياسي" من وجهة النظر الاميركية.
عملياً، يتعامل رئيس مجلس النواب مع الأمر تحت سقف سيادته على قراره وحفظ المصالح اللبنانية. في الدرجة الاولى، من غير المقبول أن تحضر سفيرة أجنبية إلى وسط منزله الذي يمثّل عملياً مقر الرئاسة الثانية في الجمهورية اللبنانية التي تتولاها إحدى أكبر طوائف لبنان، وتسرد تلميحات وتهديدات على مسمعه. في الدرجة الثانية، لقد قضى بري ما قضاه في عالم السياسة، ولا يعقل في آخر عمره أن يتخلى عن شركائه أو يختم مسيرته السياسية بـ"خيانة" من طراز بيع حزب الله أو أي مكوّن لبناني آخر على سعر أميركي أو عرضه على طاولة رهان اميركية، قال هذا الكلام وردده ومستعد ان يكرره في كل مرة يطرح عليه سؤال او تلميح من هذا الطراز، وعليه لن تتوقع السفيرة الاميركية من بري أجواءً تختلف عن ذلك.
عملياً، ما برحت السفيرة لغة التخاطب بدرجة الوقاحة هذه مع اي من المرجعيات. أكثر من مرجع اشتكى من تصرّفاتها ليس آخرهم رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الذي شهد فصولاً من الابتزاز الأميركي على طاولة مكتبه، وكيف كانت شيا تأتي إلى حضرته لتحاول رسم خط حركته السياسية وطريقة تركيب علاقاته الدولية و "هذا نعم وهذا لا".
"سفيرة من صنف وقح" كما قال أحد الزعماء السياسيين التقليديين وهو بالمناسبة، يحسب على درجة قرب شديدة من السياسة الاميركية.
وشيا، التي لا يهمّها سوى تأمين تدابير "فصل عنصري" تحت أحكام جماعية تصدرها بحق حزب الله وحلفائه إما من عوكر او من واشنطن، ما زالت تتجاهل أن الاجراءات التي تقوم بها إدارتها من خلال العقوبات لم تؤثّر على 5% من حركة حزب الله سواء المالية او السياسية، بل أن العقوبات المالية خلقت أجواء مريحة لعناصر الحزب باعتراف "كتبة التقارير" وزوار السفارة وطقم محترم من السياسيين، وعلى ما يبدو، أيقنت الادارة الاميركية أو تكاد أن العقوبات لم تأتِ إلا بالفوائد على الحزب، لذلك تتسلّل اليوم إلى ضفة حلفائه في محاولةٍ منها لممارسة ضغطاً سياسياً داخلياً عليه يحد من حضوره على الساحة. مع ذلك، تواجه الإدارة الراحلة تحديات بالجملة، فحلفاء الحزب وبعد سلسلة عقوبات اسقطت على رؤوسهم، ما زالوا يشكّلون "حلقة مقفلة" في محيط المقاومة بل زاد تمسّكهم بها وبالتحالف مع حزب الله، وهو أمر مرشح أن يزيد من فشل الرهانات الاميركية مستقبلاً.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News