"ليبانون ديبايت" - عبد الله قمح
لقد صدق النائب السابق مصطفى علّوش في كلامه، فأزمة البيئة السنّية تنحصر بفقدان القيادة. فإذ كان يدري أم لا، فقد لفح بتصريحه "المفخّخ" ثنايا بيت الوسط، ليسلبها رداء "أبوة السُنّة" الذي أعلنه "الوريث" ذات شهر.
كلام علّوش الذي جاء في معرض "تشريح" أسباب "الإنتفاضة الطرابلسية" المخطوفة على يد أشقى القَوم، ومحاولة تنصّل "المستقبل" من أسبابها نتيجة تراكمات في السياسة والإقتصاد والإجتماع، يُعَد مادة تدين "التيّار الأزرق" قبل غيره وتنزع عنه صفة "القائد" في المجتمع والدولة والطائفة التي مارسَ وطبّقَ فيها وعليها لفترة من الزمن منطق "البيع والشراء".
وبينما الوضع كذلك بشهادة العارفين، يتبارى الجميع على التنصّل من "واقعة الجَمَل" في فرعها الطرابلسي، ويدسّون رؤوسهم في الرمال المتحرّكة، ويتبرأون من الدم المُراق على حلبة "الجوع والعَوَز والحاجة والمرض" وأعمدة الدخان المتصاعدة، على الرغم من "دسّت" المعطيات التي تشير إلى إقحام الساسة لأنوفهم في ما لا شأنَ لهم به، وجرَّ الحراك، بمعية الاشقياء، بإتجاه زواريب سياسية تحقيقاً لاهداف مستترة تتخفى تحت طبقة الدخان الكثيف، فإذا كان كل هؤلاء لا ناقة لهم ولا جمل في "فتنة البسوس"، فمن المسؤول إذاً؟
والأخطر في هذا الإطار، أن التنصّل جاء على وقع دخول "العَسكَرة" على أجندات تيار المتظاهرين "المدفوعين"، والخوف من الأيام المقبلة مبرّرٌ، فيما الخشية تطرق أبواب المعنيين من وجود "مشروع" يُراد تمريره في عاصمة الشمال، وتعميمه على المناطق الأخرى. ويشير التدقيق في معطيات الأيام الماضية إلى دفع مقصود لتبديل هوية المظاهرات من وضعية سلمية إلى عنيفة، من خلال اللعب على استدراج القوى الأمنية والعسكرية نحو "كمين من نار"، عبر القيام باستهدافات مدروسة من خلال أسلحة حربية وقنابل تبرّر رد القوى المسلّحة بالمثل.
وقد دفع هذا الفعل بمتابعين ومعنيين إلى الجمع والتشبيه بين ما يحصل عام 2021 في طرابلس وما حصل عام 2011 في درعا السوريّة، حين جرى استغلال الجوع والقهر، لتبرير إعتداءات مسلّحة طالت قوى الأمن وقادت لاحقاً إلى "عَسكرة الإنتفاضة".
تأسيساً على ذلك، علم "ليبانون ديبايت" أن أوامر صارمة قد عممّت على العناصر الأمنية كافة، سيما المنتشرة في طرابلس، مفادها "ضبط النفس واتّباع أقصى درجات التحمّل منعاً للإنجرار صوب مواجهة مطلوبة". وبالتالي، فإن استقاء الأمن لخلفيات الأحداث وبعد النظر يُسجل له، لأنه يخالف المسار المتّبع لدى التيارات السياسية الغارقة في البحث عن المصالح، حيث أن بصمات الإستغلال السياسي من جانب "ماكينة" بات واضحاً، تبدأ بأفراد ولا تنتهي بمؤسّسات إعلامية ظاهرة. فإقحام رئاسة الجمهورية و"حزب الله" في صلب ما يجري في الشمال، هو ادعاء تنفيه جملة معطيات ميدانية. فالقصر الجمهوري، وفق مصادر بارزة، لم يعمّم على القوى الأمنية أو العسكرية أي أوامر تنفيذية أو إجرائية كالتعامل بحدّة مع المتظاهرين كما نُقل بالأمس، فيما الحزب يُعَد بعيداً عن الإستثمار في بيئة طائفية مخالفة له، والذي يثير المخاوف أكثر، يكمن في التلميح إلى ضلوع فئة طائفية تستقرّ على تماس طرابلس في محاولة لاقتحامها بتهمة إحداث أعمال الشغب، وهو مشهد تتخوّف الجهات الأمنية من معاودة الوصول إليه.
يحدث كل ذلك، ونادي سنّة الثامن من آذار يقبع في خندق الصمت المدقع، وفعل الإتهام بالتستّر ينسحب عليهم، والمطلوب تسطير مذكرة بحث وتحرٍ بحقهم، لاستبيان موقفهم من كل الذي يجري. وغيابهم لم يعد استثنائياً بل أضحى قاعدة منذ أن استقالوا عن أداء مهامهم. فالملف الحكومي متروك لقدره، وآخر "دعسة" سُجلت لعضوٍ منهم، كانت في السراي قبل أشهر تحت عنوان إقناع حسان دياب بالعدول عن رفض تفعيل حكومة تصريف الأعمال.
ثمة من يردّ الأزمة إلى "العَصف" الذي أطاحَ بلقائهم وشتّت الأعضاء بين أكثر من كتلة، وهناك من يترّحم على اللقاء بعدما انتقلَ إلى رحمته تعالى، فيما سُفّر تقبل التعازي إلى زمن آخر كفعل تعود أسبابه إلى مقتضيات الحجر الصحّي!
آخر ظهور سُجل ل"اللقاء التشاوري" للنواب السنّة المستقلّين كان في دارة النائب فيصل كرامي في بيروت تزامناً مع تسمية الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة، وحضور "عمّته" بهية للوقوف عند رأي نواب رفعوا شعار المظلومية الطائفية لفترة من الزمن نتيجة عدم الإعتراف بهم من قبل "التيار الأزرق". بدا اللقاء "رشيقاً" بعدما غادره معظم أركانه. مذ ذاك، تم خطف صوت اللقاء، وبعض الذين كانوا يحيطون به يجزمون حصول "تسوية" مع "التيار الأزرق" كان من جملة ما أدّت إليه، سحب الإنتقادات والمطالب من أجندة تصريحات أركانه.
والصمت القاتل عُمّم على أكثر من مستوى. في مسألة تأليف الحكومة، ورغم كل الأخذ والردّ والإشتباكات الحاصلة، يكاد غياب "النواب السنّة المستقلين" يكون علامة فارقة. منذ تاريخه، لم تُسجل الكاميرات أي لقاء يجمع الأقطاب، فيما التشاور بينهم حول قضايا الساعة أحيل إلى المجهول السياسي. كل منهم، بشهادة المقرّبين، عاد إلى "قوقعته" باحثاً عن مصلحته السياسية، فزمن رفع لواء "الحقوق والمطالب" اندثر، وهذا يثبّت النظرية القائلة بأن اللقاء أُسّس لهدف، وعندما انتفى ذلك الهدف عاد الجميع إلى وضعيته الأساسية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News