"ليبانون ديبايت" - عبد الله قمح
مع قرار رفع الدعم المرتقب عن السلع، من المتوقّع أن تشهد البلاد تحرّكات شعبية يُقدّر أن تتّسم بالعنف أحياناً، أو أن "تفلت الأمور" نحو اتباع نماذج أشدّ قسوة، وليس مستبعداً أن يجرّ الحدث معه اهتزازات أمنية من قبيل ما حصل في طرابلس. ويتقاطع ذلك مع قرب "رفع الدعم" عن المسار الحكومي، حيث لا يمكن الفصل بين تشابك عوامل السياسة بالأمن أو تداخلهما.
يشير إرتفاع عمليات النشل والسرقة والسلب بقوة السلاح وعمليات السطو المسلّحة، وفق تقارير المراجع الأمنية كافة، إلى مستقبل قاتم ينتظر اللبنانيين في حال مضي عقارب "رفع الدعم" أو ترشيده على نحوٍ مؤذٍ كالذي يحدث بالتستّر الآن. وثمة من يعتقد، أن البلاد مهيّئة لمثل هذه العوامل، التي ربما تفضي إلى جرّها نحو نماذج "الصَومَلة" بمعناها السلبي المرتبط بغياب الأمن والأمان المجتمعي، ولو بظل وجود قوى الأمن، ذلك أن الإعتماد على هذه النظرية يتوفّر عملاً بواقع انفلاش السلاح وانتشاره أفقياً وعامودياً لدى عامة اللبنانيين، وفي حال انضمام السلاح إلى الجوع، ستكون حكماً تحوّلات على مستوى الفَرد ثم المجتمع.
قبيل ما حدث في طرابلس، كان المستوى الأمني يعمل على التدقيق في المعلومات حول احتمالات دخول "أطراف مشبوهة" على خط تسعير أي حراك يأخذ طابعاً شعبياً أو مطلبياً، ورغم كل تلك الحيطة، بدا التعامل مع واقع ما حدث في طرابلس خجولاً بعض الشيء، ولعلّ ذلك أتى نتيجة الخشية المحتملة من استغلال أي ردّ فعل أمني بعكس ما هو عليه. فمثلاً، وقف الجيش أمام حاجز نفسي منعه من التعامل "بشكل شرس" مع ما جرى، خشية منه على لومه لاحقاً، أو اتهامه بأنه يستقوي على أبناء منطقة فقيرة، أو طائفة معيّنة.
في المقابل، كان الجيش يخشى من أنه، ولو مارسَ "خفةً أمنية" تجاه المتوقّع حصوله، فقد تنسحب عليه اتهامات من قبيل التواطؤ بتنشيط "حالة التفلّت على الأرض، أو دعمها"، نزولاً عند رغبات سياسية سبق وأن كِيلت بحقه إبان سريان مفاعيل انتفاضة 17 تشرين. وعليه، اتضح أن الجيش وقعَ أسير فرضيتين، وأخذ يبحث عن اعتماد طريقة وسطية ومناسبة لا تقوّي فرضية على أخرى.
رتّب ذلك انعكاسات على واقع الأرض التي استغلت الهفوات وسوء التنسيق الأمني، وتعمّد جهة أمنية اعتماد منطق "الركّ" على الجيش، وفقاً للتقسيم الإداري المعمول به منذ ما بعد 17 تشرين، وهو ما جرّدها عملياً من تنفيذ واجباتها على أكمل وجه، ووضع كامل المسؤولية على كاهل الجيش، المُرهَق أصلاً جراء وقوعه تحت ضغط الأسباب المعيشية والتفاصيل اللوجستية.
ما يجب التركيز عليه وينبئ بتطوّرات على الأرض، هو بروز معطيات حول ضلوع متشدّدين إسلاميين في عملية التحريض على الفوضى في طرابلس، وهذا جاء مفصولاً عن أعمال مشابهة وقفت خلفها مجموعات مدنية وسياسية حديثة العهد، أرادت من وراء تعميم منطق الفوضى، وإيصال رسائل حول الوضعية الهشّة للمستوى اللبناني، فضلاً عن نضوج أهداف لديها دفعتها إلى اعتماد هذا الأسلوب من أجل تنمية "الإنتفاضة" الراقدة في سبات منذ مدة.
إلى هذا الجانب، اتّضح أن ثمة معطى آخر، يجري التدقيق به من قبل قوى الأمن، له صلة بعملية تصفية حسابات حدثت على المسرح الطرابلسي بين فئتين معارضتين انفضّتا عن بعضهما منذ مدة نتيجة خلافات داخلية، والتحقيق مع عدد من المنتمين إلى المجموعتين يطمح للوصول إلى قرائن ومعطيات تصلح للتثّبت من هذه الفرضية.
إلى الآن، من المؤكد، أن مجموعة من 4 موقوفين جرت إحالتها إلى القضاء المختص بعد ثبوت ما نُسِبَ إليهم من التحريض على العنف والإعتداء والحرق وما إلى ذلك، والسجل مفتوح طبعاً طالما أن التقديرات التي سبقت ما حصل في طرابلس هي نفسها، حيث يجري التدقيق في خلفيات اختفاء العامل الإسلامي المتشدّد من يوميات المشهد الطرابلسي، وتخفّيه في "لبوس الثورة" وهو ما يقود إلى احتمال انخراطه في الشارع، وعملياً، في تلك المجموعات التي تجد في البيئة المضطربة عادةً مجالاً للنمو والإزدهار.
يقود ذلك كله إلى العامل السياسي، فما معنى أن يتحرّك الملف الحكومي بهذه السرعة القياسية، ونتيجة لتدخلات داخلية وخارجية بالتساوي، وذلك بعد أيام من موجة العنف التي حصلت في طرابلس، والتي انتهت كما بدأت بشكلٍ مفاجئ ومن دون مواعيد؟ ومن يحمل الإجابة الواقعية عن سر انسحاب التيارات البشرية في المناطق اللبنانية الأخرى من الشوارع بسحر ساحر؟
وفي النتيجة فكرة واحدة: "المسطّح اللبناني" قابل للتحرّك سياسياً أكثر منه شعبياً نسبة إلى كونه مؤدلجاً بالمعنى السياسي، وإنطلاقاً من هنا، يجب أن يبدأ البحث مع عدم إعفاء الوضعية الإجتماعية طبعاً.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News