"ليبانون ديبايت" - غسان جرمانوس
منذ لحظة الإغتيال، بدأت تأتي الأخبار، وكل خبر مُفاجئ بالنسبة لي أكثر من الآخر، فبدأتُ أجمع puzzle هذا الرجل الذي لم تَشأ الظروف ان أتعرّف إليه!
هو إبن احدى العائلات القديمة في الضاحية الجنوبية، هو إبن نائب وحقوقي كان ينتمي إلى الكتلة الوطنية، حتى يأتي أحدهم في بلدة العاقورة ليقول لي أيضاً ان محسن سليم، أي والد لقمان، كان محامي والده ومحامي "الكتلاويين" في جبيل أيام ريمون ادّة.
هو خرّيج جامعة السوربون الفرنسية، وليلة اغتياله، كان عند اصدقاء في نيحا "عم ياخد كاس"، هو مثقّف وباحث ويتكلّم باللكنة اللبنانية الـ Neo بيروتية كما كثير منّا، هو كثير من الأشياء التي تُشبهنا، ولو كنّا ننتمي إلى منطقة اخرى والى طائفة اخرى، هو ذاك الشخص الذي يُشعرك ان لبنان هو فعلاً قاسم جامع بيننا.
هو يعيش في حارة بٌنيت ايام والده او ربما جده عندما كانت الضاحية قرى صغيرة وبساتين ليمون قبل ان يجتاحها الباطون والبنايات والافكار الدخيلة الغريبة عن مجتمعنا اللبناني، فأبى لقمان ان يهدم البيت العتيق ليستبدله ببناية لدواعي استثمارية مثلاً، وأبى ان يتنازل عن حديقة المنزل القرويّة... هو مات وأبى ان يغيّر اشياء كثيرة رغم التحوّلات المحيطة... فتمسّك بلبنانيّته التقليدية، تلك اللبنانية التي تجمعنا به، تلك اللبنانية التي تجمع كل اللبنانيين المعتدلين ببعض.
عندما يتمّ تِعداد الطوائف في لبنان، هناك طائفة أساسية لا يذكرها احد: طائفة سكّان بيروت، وهي الطائفة التي أسست لبنان الكبير.
تلك العائلات التي نزحت إلى بيروت للعمل فَدُرِّس أولادها في مدارس بيروت كالـ lycée والـ IC والناصرة والجمهور وليسيه عبد القادر وليسيه فيردان وغيرها وثم انتقلوا الى الجامعة اليسوعية او الاميركية! تلك الناس التي تلتقي وتختلط و"تتصاحب" وتناقش في السياسة والفن والفلسفة وتتبادل الافكار، في مقاهي ومطاعم وحانات الحمرا ومار مخايل والمونو والجميزة وبدارو.... هؤلاء طائفة بحالها وهوّية لبنانية جامعة عابرة للطوائف، هؤلاء هم الافكار الخلّاقة والطبقة الوسطى في لبنان ومحرّك النهضة والثورة.
انا انتمي الى تلك العائلات التي نزحت في ثلاثينيات القرن الماضي من جرود جبيل الى بيروت، حيث كان يتردَّد جدّي الى ساحة البرج وقهوة الجمهورية ويختلط في السياسة وفي "دقّ الطاولة" مع لبنانيين اخرين نزحوا من مناطق اخرى.
ولو كنت أساساً من بلدة العاقورة الجردية المارونية القاسية، طبعت بيروت بمدارسها وجامعاتها وشوارعها وناسها شخصيتي فجعلتني اكثر انفتاحاً وديبلوماسياً ولطافاً وتلاقياً وتثقيفاً...
ان تسألني عن تقسيم لبنان، أُجاوبك ان اللبناني ابن بيروت السنّي والشيعي والدرزي والمسيحي يُشبهني ثقافياً اكثر من اي شيء آخر، فقد جعلت بيروت من أصدقائي احمد وشفيق ورولان وميساء وماريا يشبهونني اكثر من جرجس ومطانيوس وسيّدة.
وهنا يَكمن الصراع ، بين الطائفة البيروتية، التي كان لها بطاركها وعُلمائها كبشارة الخوري واميل ادة وشارل مالك ورياض وسامي الصلح وعادل عسيران وغيرهم، تلك الطائفة التي بنت لبنان وناضلت للحفاظ عليه كوطن وكهوية والتي تسعى اليوم الى تطويره الى دولة علمانية شفافة لا عنصرية ولا تمييزيّة تحترم الجميع.. وبين لبنان الطبقة الحاكمة الحاليّة التي سحقتنا خلال الحرب الاهليّة، والتي تمثّل التخلّف والطوائف والتعصّب والتعنيف والتفرقة والعشائر والإنتماء الى الخارج والمحاصصة والسرقات.
عندما نقول انّ لكم لبنانكم ولنا لبناننا، هذا ما نقصده بالضبط.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News