المحلية

الحرة
الجمعة 05 شباط 2021 - 20:41 الحرة
الحرة

طرابلس... "الإنفجار وشيك"!

طرابلس... "الإنفجار وشيك"!

نشر موقع "الحرة" تحقيقًا للصحفي أيمن شروف تحت عنوان: "لبنان.. الطرابلسيون ضحايا والانفجار وشيك"، أشار فيه إلى أن "الإحتجاجات التي إندلعت في مدينة طرابلس، قبل نحو أسبوعين، وما أعقبها من أحداث وصدامات وإحراق لمقر البلدية، أثارت تسؤالات عن ملابسات ما تشهده منطقة يُطلق عليها لبنانيون لقب "عاصمة الشمال".

وتابع، "وفي وقت لم تتكشف بعد ملابسات واضحة لإحتجاجات طرابلس التي استمرت زهاء أسبوعين، وطرحت أطراف عدة مجموعة من النظريات تبعاً لانتماءاتها، فإن الثابت الوحيد أن" لا أحد باستطاعته أن يقول إنه يملك الجواب الواضح لما أُحيك ويُحاك".

وأضاف، "خلال تنقلك في المدينة تكاد لا تسمع إلا هذه العبارة: "نحن فقراء متروكين لمصيرنا"، كل ما عدا ذلك، تكهنات لا تعني الطرابلسيين أكثر مما تعني من يريد أن يُحلل أو يفهم أو يحاول البحث عن أجوبة في ظل سُلطة يرميها طرابلسيون بأبشع الاتهامات".

وأشار إلى أنّ "الإحتجاجات التي ارتفعت حدتها مع مرور الأيام وصلت يوم الخميس ذروتها مع حرق مدخل السرايا ومن ثم توجه بعضهم لحرق مبنى البلدية".

روايات كثيرة تحدثت عما يحصل في المدينة، أي منها لا يُمكن أن يكون دقيقاً كفاية، الجميع لديهم "معلوماتهم"، الأمن لديه واحدة، حتى كُل فرع لديه قصته الخاصة، السياسيون والأحزاب لديهم سيناريوهاتهم المختلفة، بعض المجموعات لديها رواياتها أيضاً.

الكُل يتحدث بما يُناسب توجهه وأهدافه، وحدهم أبناء المدينة، الفقراء منهم على وجه الخصوص، ليس لديهم شيء سوى الغضب، من السلطة وممن بدأ ينسج الروايات حولهم.

في أول يومين من الاحتجاجات، كانت الرواية الأمنية التي حصل عليها موقع "الحرة" من مصدر عسكري مطلع تتمحور حول قيام البعض بدفع شُبان من المدينة كي يقوموا بالاحتجاج وبأعمال شغب.

وتُشير معلومات "الحرة" إلى مجموعات مدفوعة من قبل بهاء الحريري والمنتدى وأيضاً كان هناك تواجد لأشخاص تابعين لأشرف ريفي ومصباح الأحدب".

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا هؤلاء يُريدون أن يدفعوا إلى "العنف" كما يصف الأمنيون الاحتجاجات؟ لا جواب شافٍ لدى المصدر الأمني ولا لدى العسكريين، يقولون إنهم يحاولون أن يضعوا المعطيات التي لديهم في سياقها الواضح. بما معناه، سياقها السياسي والإقليمي، فكُل شيء مُرتبط بما يحدث على الساحة الداخلية والخارجية.

ومع مرور الأيام تغيرت الروايات. اختفى الحديث عن بهاء الحريري وأشرف ريفي ومصباح الأحدب. والثلاثة، نفوا تماماً أي دور فيما جرى في المدينة.

وقال الوزير السابق اللواء أشرف ريفي: "علينا أن ننتظر التحقيقات، نحن أبناء هذه المدينة ونُحبها ولا يُمكن أن نقوم بأي عمل تخريبي فيها، أساساً، أنا منذ تشرين الأول 2019 وليس لدي أي عمل ميداني".

وبقي الحديث عن المنتديات وعن نبيل الحلبي ودوره في تحريك الساحة، يقول منسق المنتديات في الشمال، أحمد حلواني: "كُل هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة. نحن لم ننزل إلى الشارع، ولم ندع إلى الاحتجاجات على الرغم أننا نفهم وجع الناس وما يحصل معهم، والظلم الذي يعانون منه".

ولكن لماذا اتهام الحلبي ومن خلفه المنتديات؟ يقول حلواني: "هناك أطراف يستسهلون رمي التهم جزافاً وهذا اعتدنا عليه نحن منذ أن بدأ عملنا يظهر إلى العلن ويتوسع".

ورداًعلى سؤال ماذا عن الدور التركي؟ أجاب: "نحن لا علقة لنا بتركيا، ولا نحصل على تمويل منهم وبالتالي من المستغرب إقحامنا دائماً في هذا الموضوع. وفي الأساس لا نخجل إن كان لدينا علاقات مع أي أحد شرط طبعاً ألا تكون علاقة تبعية".

ويقول نائب رئيس تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش: "هناك مخابرات كثيرة ومتعددة في المدينة، يعرفون كُل واحد من الذين كانوا يقومون بأعمال عنف وبالتالي السؤال مشروع حول دور الأجهزة في توصيل الرسائل في طرابلس، توصيل رسائل سياسية أو حتى بين بعضهم البعض".

اللافت أيضاً، وفق التحقيق "بعد ليل الخميس الطويل، أن "المدينة تحولت فجأة إلى ثكنة عسكرية. صباح الجمعة، كانت الحياة طبيعية مع غياب كُلي لأي مظهر أمني، ثُم ومع انتهاء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، بدأ انتشار عناصر الجيش في محيط السرايا ومنها إلى ساحة النور والطرق المتفرعة عنها وصولاً إلى البلدية ومحيطها. انتهى ليل الجمعة بهدوء، تراجع الاستنفار الأمني إلى حده الأدنى، فعاد التوتر يوم السبت".

وفي متابعة ميدانية لما يحدث، يبدو واضحاً وكأن السيناريو مرسوم، تبدأ الاحتجاجات وتتصاعد فتظهر القوى الأمنية وكأنها تعرف ما الذي سيحصل، بل والطرق التي سيستخدمها المحتجون.

وهناك أيضاً من يتحدث عن رسائل أمنية، يسأل حلواني: "أليس بغريب أن تصل رسائل أمنية في وقت واحد لقادة فرع المعلومات في المنية وفي طرابلس وفي عكار؟ مُستغرب هذا الأمر وهذا يوضح أن هناك من يُحرك وهناك من يُريد أن يستثمر في المدينة".

وعند كُل حدث تتجه أصابع الاتهام للطرابلسيين كي يكونوا في نهاية المطاف "كبش فداء" مخططات لا دخل لهم بها كما يقول شهوان، وهو أحد النشطاء في الساحة منذ 17 تشرين الأول 2019.

ورواية أخرى يتداولها ناشطون في ساحات التظاهر، إذ يقولون إن من "يتحكم بالأمور هم حزب الله، ومن يتحكم بالأجهزة هو الحزب وبالتالي كل السيناريوهات الأمنية التي تُرسم للمدينة هي نتيجة أو تطبيق لسياسة حزب الله لا أكثر ولا أقل ومن مصلحته أن تكون طرابلس مدمرة وشيطنتها في هذا الظرف كيف يتخلص من آخر بؤرة معارضة".

هذه الرواية، يُفندها أحمد حلواني، الذي يقول: "حزب الله لديه مجموعاته وهو من يحركها، من يقوم بأعمال الشغب هم هذه المجموعات الموزعة في أحياء المدينة والتي تأتمر به وهذا أمر معروف للجميع". هل هي جزء من سرايا المقاومة؟ "نعم وأوسع من السرايا أيضاً".

وكشف حلواني أن "في طرابلس ومحيطها حوالي 800 عنصر لحزب الله. هم من أبناء المنطقة وجندهم الحزب وهم موزعون على كل المحاور والمناطق ويستخدمهم في ما يُخطط له للمدينة".

وأضاف حلواني، إنه"يعرف كُثر من هؤلاء، ولكن كيف بالإمكان أن نتأكد من هذه المزاعم؟ لا أحد منهم سيُجيب أو سيعترف إذ لا يريدون أن يقطعوا مصدر تمويلهم، يربط تحركهم بالهلال الشيعي من طهران إلى البحر المتوسط"، و"كون طرابلس هي المنطقة الوحيدة التي تشكل خطراً على مخططاتها كونها تعارض سياسته، فهو من مصلحته شيطنتها وحصارها".

هنا أيضاً، لا يستبعد ريفي أن يكون لحزب الله دوراً فيما يحدث من خلال سرايا المقاومة والمجموعات المنتشرة في المدينة.

أبعاد كثيرة أعطيت لما يحصل في طرابلس، دائماً هناك رسالة، خلفها شخص ما وجهاز ما وجهة ما. اعتادت المدينة على هذه السيناريوهات حتى ملّتهان الثابت أن لا أحد من السياسيين ورجال السلطة ينظر إلى الطرابلسيين على أنهم ضحايا، هذا ما يقول الناشطون من مختلف المجموعات. "ينظرون إلينا كصندوق بريد، لا أكثر".

يقول عبيدة تكريتي وهو ناشط ينتمي إلى مجموعة مواطنون ومواطنات في دولة: "يغيب عن بال الجميع أن طرابلس محرومة. في كل مرة ينظرون إلينا بالطريقة نفسها. يمررون الرسائل فيما بينهم لا أكثر. نحن نستحق أكثر من ذلك. نحن لسنا ضعفاء، ومن تراهم في الشارع هم ناس دمرتهم هذه السلطة، وحتى لو فعلوا أكثر من كل ما رأيناه، الحق ليس عليهم بل من أوصلهم إلى هذه الحال".

وأضاف، "عتب عبيدة ليس فقط على السلطات، بل على مجموعات ثورية أيضاً"، قائلاً: "ستأتي "بيروت مدينتي" إلى طرابلس مع كمامات وطعام. لا نريدهم ولا نريد من ينظر إلينا هكذا".

ويتفق كثيرون في الساحة مع عبيدة، علاء حسين المنتسب إلى حزب سبعة، الذي أيضاً طالته اتهامات الأمن بأنه "من يُحرك الشارع"، ويقول: "أبناء المدينة يعانون الفقر وهناك من يستغلهم ويُفبرك الروايات وغير مستعد لأن يزور المدينة ليعرف ما تعيشه. جميعهم يفعلون الأمر نفسه ولا فرق بينهم".

ويأتي شاب اسمه عمر، يحمل معه 3 عبوات ماء صغيرة، يبحث عمن يشتريهم، يعرف جميع الناشطين في ساحة النور. يتحدث مع أحدهم ويقول له "لم أجد سوى هذه العبوات لكي أبيعها وآتي بالطعام لوالدتي وأشقائي". يبتسم عمر وهو يتحدث، فيما الصحيح أن واقعه يجب أن يجعله غاضباً. يقول محمد الذي كان واقفاً يستمع إليه ويبدو غاضباً.

يوم السبت الماضي، كما يوم الأحد، الساحة مكتظة بوجوه كثيرة ومتنوعة، أطفال لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات لديهم من الغضب ما يكفي لإحراق الكوكب،

ويقول طارق، وهو ناشط مُستقل: "لقد حولوا النقاش ليكون حول مندسين وغير مندسين، فيما النقاش يجب أن يكون في مكان آخر. النقاش يجب أن يتمحور حول حاجات هؤلاء الناس وما قدمت لهم دولتهم. هناك طرف واحد يُحاسب وبالطبع ليس من أحرق البلدية. الحساب يكون لهذه السلطة وليس لضحاياها".

من ساحة النور بإتجاه شارع الكورة وصولاً إلى أمام البلدية المحترقة، مشهد واحد، وجوه كئيبة وحذرة. محال مُقفلة وبعضها جلس أصحابها في الداخل يبيعون من يعرفونه أو يفتحون الباب لإدخال الزبائن ثُم يغلقون خوفاً من دورية شرطة. صاحب محل ألبسة بالقرب من ساحة التل، يقول: "أُقفل وأترك 3 عائلات تتضور جوعاً؟ فليأتي رجال الشرطة فأنا أنتظرهم".

في السوق القديم، لافتات كثيرة لُصقت على المحال. "للاستثمار" للبيع". يقول أحد الباعة على ناصية الشارع وهو يرتشف القهوة التي يبيعها في عربته الصغيرة النقالة: "معظم هؤلاء توقف عملهم بعد أن ارتفع الدولار. يريدون أن يبيعوا لأن هذا كُل ما تبقى لهم لكي يجدوا لقمة عيش. كبرنا في السن. هم لديهم محالهم وقد يعيشون من بيعها لسنوات، أنا ومثلي غالبية، ماذا نفعل بعرباتنا؟ كيف نعيش؟ لهم يوم هؤلاء المجرمين".

بين باب التبانة وجبل محسن جولات كثيرة من المعارك التي انتهت في العام 2016 بسحر ساحر. تتقاسم المنطقتان اليوم الفقر. أنزلت المتاريس فاحتل الحزن المكان، لم يهنأوا بسلامهم الذي أنهى سنوات من صراع أقيم باسمهم وبأيديهم. وانتهى فعاد معظم من قاتل خالي الوفاض، وُضعوا خلف المتاريس ليموتوا بالرصاص. اليوم على وشك الموت جوعاً.

الحياة عادية هناك، تقريباً. حركة كثير ولكن من دون نتيجة. المحال غير مقفلة في الجهتين، والحال واحد: أعداء بحروب الآخرين وفقراء بسبب الآخرين. يقول أبو عمر وهو يتكئ على سيارة أجرة.

ويضيف: "هنا سقط الجميع، بمشاريعهم وشعاراتهم وكُل ما قالوا به. اليوم ليس لدينا سوى الله لنطلب منه. لا ثقة بأحد. وحقنا ضاع ولن يعود. لنا الانتظار والموت البطيء".

ويقول مصطفى علوش: "العنف ليس من طبع أبناء المدينة. قد يحصل بشكل مفاجئ ويبدأ حتماً في طرابلس لأنها الأكثر فقراً. لكن الأيام المقبلة لن تكون سهلة، سيُرفع الدعم وسنرى كيف الناس ستتحول جميعها إلى وقود للعنف. من هنا إلى كُل منطقة في لبنان".

واللافت في طرابلس هذه الأيام، أن المدينة خالية من صور زعمائها. ففي خضم كُل الأحداث يبدو أن الزعامات التقليدية قد اختفت أو لم يعد لديها أي أثر في الشارع، "الطرابلسيون كشفوهم واحداً واحداً كما يقولون، حتى الأحزاب والتيارات تعترف بعدم قدرتها على أن تقوم بشيء يُذكر من أجل ناس المدينة، هم في الأساس لم يقوموا بواجباتهم حين كانوا في السلطة". يقول عبيدة.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة