ليبانون ديبايت - عبد الله قمح
لم ترصد رادارات بعبدا بعد أي نتائج عملية تُذكر عن جولة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الخارجية، وتشاركها الرؤية نفسها، أطراف سياسية لم ترَ فيها رئيس تيار "المستقبل" إلّا من منظار "تحرير" نفسه من حصار الداخل، ومحاولة إعادة تأهيل العلاقات مع الخارج.
وعلى عكس ما تمَّ ترويجه، لم ينجح سعد الحريري خلال زيارته إلى القاهرة في دفع القيادة المصرية إلى إصدار بيان متقدّم حول الأزمة اللبنانية، إذ جلّ ما كسبه هو تضمين البيان "طلب حثّ" للجماعة اللبنانية كي تنجز تأليف الحكومة، علماً أن القاهرة ليست في وارد مغادرة منطقة "الحثّ"، ولا هي مستعدّة للمغامرة أكثر في بلد "الرمال المتحرّكة"، والتي سبق وأن غرقَ فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
في القاهرة، لم ينجح الحريري في تعبيد طريقه نحو الرياض، والقاعدة نفسها تسري على أبو ظبي، المأمول منها أن تنجز شيئاً في الوساطة من أجل الحريري، وهو الذي يعود إليها على مسافة أسابيع من آخر زيارة له. لكن الأخيرة، وعلى ما يبدو من خلال المعلومات المتوفّرة، لم تتمكّن من إحداث أي خرق، وقد أبلغَ الجانب الفرنسي بنتائج التواصل مع الطرف السعودي، الذي ما زال يطلب الإستمهال، ويتقاسم بعض جوانب الملف اللبناني مع الطرف الإماراتي، إلى حدود معقولة، وعلى قاعدة تسيير المرفق اللبناني، وهنا، تكمن خشية الرياض في عدم ترك الملف خشية من ارتمائه في أحضان أنقرة.
ومن الواضح أن مطالبة السعودية بالإستمهال، نابعة من نية لرصد خطوات الحريري حيال بعض الملفات المطلوبة سعودياً في الداخل اللبناني، ومنها ملف "حزب الله" وطبيعة نظرة الحريري إليه ورؤيته لكيفية تمثيله داخل السلطة وأسلوب تعاطيه معه. فصحيح أن الحريري أنجز الشقّ الأول المطلوب منه حيال أخذ مسافة من عهد الرئيس ميشال عون، وهو ما ثبّته من خلال سياق طويل من حفلات الردح السياسي عبر البيانات، لكن لم يثبت حتى الساعة أنه اتّخذَ مسافة مشابهة في تعاطيه مع "حزب الله"، و"كتبة التقارير" الذين يتموضعون في محيطه كما خارجه، ما برحوا يخيّطون معطيات كافية حول علاقة الحريري "المستترة" مع الحزب، كما أن تغريدة الحريري بُعَيد اغتيال الناشط لُقمان سليم، وما احتوته من اتهام تخفّى بين السطور حول وقوف "حزب الله" وراء العمل، ما زالت محل تدقيق من الجانب السعودي، في محاولة لفهم ما إذا كانت تنطوي على موقف عابر، أم أنه تبديلاً في الأسلوب سيعتمده الحريري خلال الفترة المقبلة، وهنا، يُقال أن رئيس تيار "المستقبل"، كان يحتاج إلى ظرف مؤاتٍ لتأمين استدارة سياسية كاملة!
وقد بلغ أطرافاً لبنانيين، أن إنجاز التفاهم مع السعودية حول الملف اللبناني ليس في المتناول بعد، وهو ما سيحاول الرئيس الفرنسي تذليله خلال زيارته المتوقّعة إلى الرياض، فإذا وردَ "جَمَل ماكرون"، فإن "ناقة" الحريري ستحطّ في مضارب الرياض، ومن هناك يُنجز الإتفاق، وإلى ذلك الحين، فموضوع الحكومة معلّق، وما زاد من عقده، تشابكات ملف اغتيال سليم الذي يستبطن عوامل تخريب ستطال الحكومة.
في المقابل، ومن جانب بعبدا، القضية ليست أقل تعقيداً. فالرئيس ميشال عون وفريقه، يعتبرون أن الحريري يخطف التكليف ويجول به في الخارج، بدل التفرّغ لمهمة التأليف في الداخل. فـالحريري يعتقد، أن البيدق الأول في تأليف الحكومة يمرّ عبر الموافقة السعودية، وعليه سيبقى الملف الحكومي رهينة لديه. ولكن ثمة قضية أخرى، فالخلاف من وجهة نظر القصر، ما عادَ محصوراً بمسائل سياسية، بل باتت تتفرّع منه إشكالات دستورية من قبيل ترتيبه لجولات خارجية "على حساب الدولة" وهو ما زال رئيساً مكلّفاً، ولا يفترض أن يُستقبل في الخارج على أساس أنه رئيس حكومة أصيل. ثم، أن طلبه مساعدة خارجية مباشرة من دول يزورها، وهو رئيس مكلّف، أمر يخلق إشكالية بحدّ ذاته، لأنه يسمح لدول بالتدخّل وفرض رؤياها على مسار التأليف، وهو خلل يزيد من المشكلة مترامية الأطراف مع بعبدا. وإذا كان الحريري يظنّ أن ذلك يُساعد في التأليف، فعملياً يعقّد المسألة أكثر.
بنتيجة الإستعصاء الحالي والرياح التي تهبّ تحت عنوان افتتاح مرحلة سياسية جديدة سيدخل فيها الإغتيال السياسي المتحكّم به من الخارج طرفاً، يقدّر أن الحكومة ستطول ولادتها، وهنا لا بد من طرح سؤال عن الثمن المطلوب نيله لقاء تحريرها.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News