"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
إفتتح "الحج" العربي – الدولي إلى بيروت موسم "التنبيش" عن حل بسراج الأزمة والفتيلة، و أضحى "رجم" شيطان التعطيل، فعلاً مطلوباً من الجهات الزاحفة إلى واجهة المشهد، والباحثة عن نصب خيمة في المضارب اللبنانية، تقي حرّ السباق على حجزَ كرسي على طاولة التسويات. وبعدما أُنجزَ تقسيم الخرائط، يأخذ السباق مداه حول من ستكون له حصة لبنان، فيما الأخير يتدلّل سياسياً على الرغم من وقوفه عند حافة الهاوية!
وهكذا، مضى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتوسيع هامش تحرّكه في ما له صلة بالملف اللبناني، وسيحطّ في الخليج منتصف الشهر الجاري بجدول أعمال حافل، ويقال أن الدافع للزيارة هو بحث القضية اللبنانية. وينطلق ماكرون من تفاهم مشروط مع الجانب الأميركي ودفع "مصري" المصدر، وهو ما جرت مواكبته سعودياً عبر إعادة السفير وليد البخاري إلى بيروت. بالتوازي مع ذلك، حطّ وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن أرض المطار ثم جال على المقار، في السر والعلن، وأجرى لقاءات ذات طابع سياسي ـ مالي... في خلاصة كل ذلك، نستنتج أن الحكومة اللبنانية تؤلَّف في الخارج!
الخارج متقدّم بالمقارنة مع الطرح الذي وضعه البطريرك بشارة الراعي قيد التداول، الداعي إلى التدويل من خلفية البحث عن حل، ومن زاوية حتمية اللجوء إليه عند تثبيت طبيعة الفشل اللبناني. والعجز اللبناني الناتج عن خلافات تفوق في جوهرها مسألة التباين على الأسماء والأرقام في الحكومة، وصولاً إلى التوازنات وطبيعة الحكم، هو الذي يجب أن يُسأل عن عودة الوصاية إلى الساحة السياسية من بابها العريض، بالإضافة إلى أطراف هي المبادرة صوب اللجوء إلى الخارج طلباً للدعم والمؤازرة في الداخل.
وفي سياق البحث عن المصلحة الخارجية المتأتية من وراء تمرير "نيو تسوية لبنانية"، عطفاً على أخرى تجري حياكتها بتأنٍّ على مستوى المنطقة، يتبين أن منطق النزاع يحكم أكثر من مبادرة تجاه بيروت، إذ يظهر التسابق جلياً من خلفية زيارة المسؤول القطري مثلاً.
فالإعلام الخليجي الخارج لتوّه من مستنقع الخلاف مع قطر واستخدامه في تسعير نيران الخلاف، أبدى بين سطور تغطيته للزيارة عدم ثقة في المسعى القطري، وصولاً إلى تسريب معلومات "مغشوشة" عن محاولة قطرية لعقد "طاولة حوار لبنانية" في الدوحة، في استعادة لمشهد أيار 2008 فيما عرف لاحقاً بـ"تسوية (أو اتفاق) الدوحة"، وهو ما نفاه المسؤول القطري من بيروت ملخّصاً برنامج الزيارة بـ"السعي للمساعدة".
وبمعزل عن النفي، لا يمكن تجريد الزيارة القطرية من محاولة تحقيق مكتسبات سياسية إنطلاقاً من رغبة الإمارة في استعادة مكانتها، وهي تجد في البيئة اللبنانية حالة يمكن لها أن تمتصّ أي مسعى إيجابي، وقد ظهر ذلك من خلفية اللقاءات السياسية التي أجراها الموفد القطري، ومن بينها لقاء لم يجرِ الإفصاح عنه، جمعه برئيس "تكتل لبنان القوي" جبران باسيل. فصحيح أنها لم تحمل أي طرح قطري بخصوص إطلاق مبادرة سياسية على نحوٍ واضح، لكنها حملت بين طيّاتها محاولة لـ "ترطيب الأجواء" بين المسؤولين، من زاوية المخاطر المترتّبة على لبنان، وهذا يحمل ذيولاً سياسية بالطبع، وقد كان استفساراً من قبل الجانب القطري حول طبيعة ما يمكن أن تقدّمه الدوحة في سبيل مساعدة لبنان، مع اشتراط أن تكون المساعدة "مضمونة النتائج وتتم تحت رعاية حكومة متوافَق عليها".
لكن في خلفية تقديم بعض الصحف الخليجية الزيارة القطرية على أنها مبادرة، نية في "زَرك الدوحة أو إغراقها في المعضلة اللبنانية"، وفق قول أوساط سياسية واكبت الزيارة، ورأت أن "تسريب خبر عقد طاولة حوار في الدوحة للأقطاب اللبنانيين، قد جاء من قبيل محاولة إخماد الحراك القطري من قبل مجموعات خليجية يبدو أنها متضرّرة"، نافية أن تكون الزيارة قد رُتّبَت مع الطرف السعودي الذي يحصر تنسيقه في الملف اللبناني خليجياً مع الجانب الإماراتي، الذي يقبض على جزء واضح في هذا الملف.
وبالتالي، إطلاق النار على الزيارة القطرية، يعيد إحياء النظرة حول "النزاع الخليجي ـ الخليجي" بشكل عام، وعلى لبنان بشكل خاص، والتسابق على اكتساب الورقة اللبنانية، حمل بين طياته إشارات حول بقاء التنافس الخليجي ـ الخليجي هو نفسه رغم المصالحة القطرية ـ السعودية، وهذا يعزّز الشكوك حول المصالحة التي ما زالت طازجة، إذ من المبكر محو التباينات والتراكمات وإزالة الضغائن التي تحتل النفوس بين الجهتين، وما زالت تحكم تصرفات البعض ونوايا البعض الآخر، وهو ما يفرض على لبنان أن يقي نفسه من "النيران الخليجية".
وفي هذا الصدد، تخوّف المصدر من "أعراض جانبية" قد يشعر بها لبنان من وراء ما تقدّم تضاف إلى حالة اللاإستقرار التي يعيشها، ما يوجب إعادة ترتيب أوراق التسوية من قبل الجانب الفرنسي.
في المقابل، ثمة اعتقاد أن كل الحراك الذي يجري نحو لبنان، يأتي منسّقاً مع الإليزيه الذي يعمل على ضبط الإيقاع، ومحاولة استثمار جهود الجميع في تأمين "حل لبناني مُستدام"، وازدحام الحراك صوب بيروت، مؤشّر على ترتيبات لـ"طاولة" لن تعقد إلا في لبنان، وانطلاقاً من نفس مفهوم التسوية في المنطقة، وإنصياعاً للرغبة الفرنسية بتدشين طاولة حوار لبنانية ـ لبنانية، على أن تكون محكومة برعاية فرنسية صَرف، سيعمل الموفد الفرنسي باتريك دوريل على تصريفها في الوسط اللبناني حين يحين وقت زيارته والتي تتضارب الانباء حولها.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News