حِمارٌ يَرعَى وجلدُهُ يَرعاه

ليبانون ديبايت - روني ألفا

أنا مُواطِنٌ بِبَراغي مُملَّصَة وأسطوانات صَدِئَة. أدورُ بالتّدفيش. بَطّاريّتي تَنوصُ وحالَتي يُرثَى لَها. مركَبَتي بلا نَوافِذ. عَجلاتي مَثقوبَة تَمشي عَلى " الجَنط ". مَقاعِدي مَنتوفَة. أبحَث عَن مِخرَطَة تردّني خلَنج. كلفَة تَصليحي زَهيدَة وأرضَى بأي بَقشيش.

هَيكَلي مركونٌ على قارِعَةِ وَطَنٍ مَهجور. يصوِّرُني السيّاح ويبوِّلُ عليَّ الصبيَة وتتكاثَرُ تَحتي القِططُ البريَّة في شباط. حائِزٌ على شَهادَة ISO في الصّبر الطويل والغَباء العَريض. مقلَّدٌ وِشاحاً أكبَر برتبَة طائِفي عَنيد. طموحي حَشيشَة كَيف ونَفس أركيلَة. وارِدٌ على لوائِح الشَّطب عندَما تَدعو الحاجَة. تضاجِعُني صناديقِ الإقتراع. أنا حامِل بِلَقيطٍ اسمُهُ بَلَد. الفَحشاء سريري والرّذيلَة عادَتي العلنيَّة ومعاشرَة الغرباء إختِصاصي.

بعدَ كل استِحقاق إنتخابي، أَعودُ إلى وَظيفَتي الأصليَّة : فحمَة على شيشَة الزّعيم. يُدَخِّنُني. ينفُخُني. ينَفِّضُ رَمادي بِطَرَفِ ملقَطِه. أنا لفافَةٌ يمجّها ويشفطُها الزّعيم. أضراسي خرطوشُ فردِهِ. أنا صوتُ مسدّسِه إذا أطلَقَ النار. لحمُ كَتِفَيّ نَعالٌ باب أوّل لأحذيَتِه. أُحاوِلُ عَبَثاً منذُ خَمسينَ عاماً أن أجِد وظيفَة أخرَى غير وظيفَة النّعل. أن أحصَلَ على تَرقِيَةٍ تَرفَعُني من رُتبَة حمارإلى رُتبَة حِصان أقصَى طموحي.

عَبَثاً أُحاوِلْ. جِلدي يَرعاني. فخذي الأيمَن مَدموغٌ مثل البَقرَة الهولنديَّةِ الحَلوب بإشارَة الخُضوع الطائِفي. فَخذي الأيسَر أيضاً منعاً للإلتِباس.أرعى بينَ قَطيعي بِهدوء. كلّ أنواعِ الحشائِش بِخدمَتي. أسمَنُ بسلامٍ تحتَ إدارَة المسلَخ. أُذبَحُ ببرودَةٍ بِسكاكين طيِّبَة. أُشوَى على نارٍ خَفيفَة فوقَ مناقِلِ الدّعوات الرسميَّة. يأكُلُ الباكاوات لَحمي. طريٌّ أنا تحتَ أضراسِهم. ما اجملَ أن أؤكَلَ مِن الزّعيم.

حريَّتي وُجِدَت مَشنوقَة بِحبل. أعيشُ بسلامٍ مِن دونِها. أنا مغلّفٌ بأكياسِ الفاكيوم. محكَمُ الإقفال. لا يدخل إلى رِئَتَي الأوكسجين. في بلدي لا يتوفَّرُ سِوى ثاني أوكسيد الكَربون. شَهيقي الأوكسيد. زَفيري الكَربون. في ما خلا ذلك، أنا فقير مَوعودٌ بِحاويَة نِفايات.
أنا مواطِنٌ مستَهلَك. يمكنُ لأي عابِر سَبيل أن يتناولَني شرائِحَ أو مَفروماً أو مَخلوطاً بأي دولَة أجنبيَّة. لا نكهَةَ لي إلا تحتَ وصايَة. مفعولٌ بي مَع تَجهيلِ الفاعِل. أتبَعُ زَعيمي في جميع حالاتِ إعرابِه. مصنوع من الكَوابيس. معجونٌ بالأحلامِ الوطنيَّة المستَحيلَة. ملفوفٌ بِكَفَنِ الحريَّة.

أُذنَايَ أضعافُ أُذُنَي الحمارِ. فرّختا للديكور فَقَط. أنا لا اسمَع ولا أرَى ولا أتقِنُ أي لغَة متعارَف عليها. أنا أنهَق. نَهيقي مستمرّ والشَعيرُ مَوسميّ. طريقي لا أحيدُ عنها. أسلُكها عندَ الصّباح وعندَ المساء. مؤخّرَتي تعشَقُ عَصا السائِس. راضٍ عَن أدائي وعَن حمولَتي. كلّ هَمّي أن أحفظَ الطّريق حتّى لا ينتَزِعُها مني حِمارٌ آخَر. لَن أدعَ حماراً يفوقُني صبراً ومواظبَةً وطاعَة. أنا حِمارٌ ولا كلُّ الحَمير.

تأكدت مع الوَقت أنني من فصيلَة الدّواب. لا أتَّهِمُ أحَداً بما أنا فيهِ لا بأسَ أن أمشي عَلى أربعَة هناكَ مَن يَمشي عَلى رِجلَين لا يضاهيني في حمرَنَتي. قَوائِمي مسالِمَة. لا تَرفُسُ أحداً. صلبَةٌ كالغَباء. مَشحونَةٌ بِعَضَلاتِ التنفيذ. أنا دابَّة محَمَّلة بالذَّهَب. أنقُلُ التِّبرَ من البائِعِ إلى الشاري على ظَهري. لم أنفَجِر يَوماً إلا في الحَظيرَة. نَهيقي لا يخرجُ عن جدرانِ الإسطبل. أنا مقطوعُ اللسانِ. مقطوعٌ من شَجَرَة. مَقطوعُ الحَيل.

فاكِهَتي فَجّة وأوراقي سامَّة وجذوري عفِنَة. مَقطوف قبل بلوغ سِنّ النّضوج. مَطبوخٌ بزيتِ الرَّجاء. مُحاطٌ بِجنودِ الكَذِبْ. مَخبوزٌ بِطحين الإستسلام. مَوضوعٌ على طَبَقٍ من ذَهَب على مائِدَة البيانات الوزاريَّة والبرامِجِ الرئاسيَّة. دولَتي تعمَلُ ما في وسعها للحفاظِ على كَرامةِ نَهيقي. حاولَ الربيعُ أن يَصطادَني ويوقِظَ إنسانيَّتي ولَم يَفلَح. حاولَتِ الحريَّةُ إستِردادي فَلَم تنجَح. أمشي بِصَمتٍ تَحتَ حُمولَتي. لا أحلُمُ عندَ تسليمِ الذّهَب إلا بكمشَةٍ من الشَّعير.