"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
تفشّت السلالة الجديدة "المتحوّرة" من فيروس الخلاف بين ركني تأليف الحكومة، قصر بعبدا وبيت الوسط، لتصيبهما في مقتل وتضعهما في غرفة العناية الفائقة في غيبوبة تبدو طويلة، ما ينمّي الشكوك حول "استحالة" أن يجتمع الركنان على طاولة حكومية واحدة ملقاة على عاتقها وظائف ومهام جليلة، تبدأ بالإصلاح وتصل إلى إدارة استحقاقات داهمة.
ومع بدء مشروع "التلقيح" غير الإلزامي ضد جائحة "كوفيد-19"، تسلّل الفيروس السياسي إلى المقار على نحوٍ عنيف أدّى بالهدنة الهشّة المعمول بها، إلى الإصابة بسلالة متحوّرة جديدة من الوباء، ما باتَ يستوجب البحث عن مضاد حيوي، روسي أميركي أو فرنسي لا يهمّ، يمكن من خلاله البدء بورشة "تلقيح" من فئة سياسيين و"طلوع"، تصلح أن تقيهم شرّ انتشار العدوى البغيضة بين صفوف المعنيين في أمر التأليف، ويضع حداً للألسنة السليطة لدى الخبراء في معجم الردح والشتم، على ضفتي التكليف والتأليف، وما بينهما، خصوصاً بعدما تحوّل مشهد تأليف الحكومة إلى نسخة "سمجة ومقزّزة"، حوّلت المتخاصمين إلى منطق العداء وتقمّص أدوار "متباري الزجل"، لتكون الحكومة، على رأس الأضرار الجانبية من خلفية النزاع المستجدّ بين التيارين الأزرق والبرتقالي.
وبعد خطاب رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده، تحوّل المسار من "دفع وتحفيز" نحو تفاهم كان يسعى الحريري إليه، كما تزعم مصادر مطّلعة على التأليف، تحوّل إلى حرب بكل ما للكلمة من معنى، جرى خلالها استحضار كافة صنوف الأسلحة الكلامية، ومن شتّى الأعيِرة، وأخذ إطلاق النار السياسي ـ الشخصي يأخذ في طريقه كل الإحتمالات التي راهنت على تسوية النزاع ما بين الدارين، وقد أفرغ عن الجولة الجديدة من الحرب، إعتقاد متجدّد باستحالة، ليس تأليف حكومة وحسب، بل نجاح المستويين في قيادة حكومة مهما كان شكلها. فكيف يمكن التعاون تحت عناوين الإصلاح المعروفة، ما دام المنطق الذي يحكم العلاقة بين الجانبين، شخصي وصدامي وحربي؟ بهذا المعنى لن تكون الحكومة مختلفة عن الحكومات السابقة، إن لم تكن الأسوأ بينهم.
الآن، وقبل الخوض في مسارات تأليف الحكومة ونوعية الأسماء المقترحة وصيغتها وطولها وعرضها ونوعية الوزارات، والغرق في المحاصصة و "لعبة العد"، وهذه لكَ وتلك لي، بات يستوجب، بل من المحسوم في مكان، استدعاء "جهة ما"، داخلية كانت أم خارجية، طالما أن موضوع التأليف طار من بين أيدي السياسيين، على أن تتولى تسوية الخلاف بين الرئاستين في حال أرادتا عبور المرحلة.
ولغاية الساعة، لم يُسجّل دخول أي وسيط يُذكر على خط النزاع المُستجدّ، كما غابت الوساطات على خط إنهاء الأزمة، بدليل أن النزاع استَعَرَ، وعلى نحوٍ غريب ومُستهجن خلال الساعات الماضية، وقد تبارى نواب ومسؤولو الفريقين في الردح وقذف بعضهما البعض بشتى صنوف الكلام "الشوارعي"، إلى حدودٍ قفزَ معها الدولار إلى مستوى أعلى من 9000 ليرة بقليل.
على هذا المشهد افتُتح الأسبوع الطالع، وسيدوم أكثر، ما دامت لغة التخاطب تعتمد على منطق الشكّ والتوهين وعدم الثقة، في موازاة عدم ثقة مشابهة، تعيشها باريس منذ ما بعد مغادرة الرئيس الحريري، نتيجة سوء التقدير الذي وقعت فيه الإدارة الفرنسية من خلال الإقتراح على الحريري، المسارعة إلى زيارة قصر بعبدا وإطلاع رئيس الجمهورية على نتائج جولته الدولية، والتي اغتنمها الأخير من أجل التشديد على منطق حصر البحث في التوليفة الحكومية العتيدة بـ18 وزيراً لا أكثر. وكان يُستوجب قبل التمنّي أو الدعوة لحصول لقاء مماثل، أن يتم سحب أسباب الإشتباك السابقة، وإفساح المجال أمام تهدئة النفوس وتنفيس الغضب، واعتماد مخرج الوساطات، وبناءً على النتائج، يمضي من يدفع صوب لقاء الرئيسين إلى تأمين ذلك اللقاء ضمن أجواء مطمئنة.
لكن الآن لم يعد ثمّة مجال للكلام، فما وقعَ قد وقع، والحريري، منذ لحظة تسرّعه لزيارة قصر بعبدا ووضعه ما لديه عندها (وهو لا يختلف عن ما أودعَه سابقاً من صيغ حكومية)، ترى أوساط قصر بعبدا، أنها "لم تكن سوى بادرة لإحراج رئيس الجمهورية، أولاً بهدف استثمار ذلك في خطاب 14 شباط، بحيث أن الحريري كان يحتاج إلى مادة سجالية مستجدّة كي يعطي كلامه صفة ردّ الفعل، سيما وأنه عادَ من الخارج من دون أي تقدّم أو فائدة تُذكر، سواء على صعيد انعطافة فرنسية تثمر في تأليف الحكومة عبر الدعوة لتدخّل فرنسي أوسع، أو من خلال عدم ظفره في تأمين أي بادرة تصلح لترتيب علاقته مع السعودية"، وهذه كلها "دوافع أملت على الحريري تأمين أسباب اشتباكية تخدم خطابه".
في المقابل، ظهرَ وعلى نحوٍ واضح أن الحريري لم يبدّل سلوكه تجاه مقاربة مسألة تأليف الحكومة، فهو ما زال أسير "المطالب الجنبلاطية" المحصورة في تأمين غطاء لحكومة من 18 حصراً تضع الميثاقية الدرزية في يد المختارة "كضمانة سياسية للحريري وجنبلاط معاً"، ويندرج تنسيقهما المستجدّ والمرتفع السقف مؤخراً، ضمن هذا السياق، بينما القصر قد حزمَ أمره ولن يرضى بحكومة مصيرها معلّق على "أهواء المختارة"، وهو ما فُسّرَ لدى "خلدة" التي اتخذت قرارها بالإنعطافة صوب الدعوة إلى "مؤتمر درزي سياسي ـ روحي"، يحدّد التوجّهات حيال تأليف الحكومة ومن ضمنها "حفظ حقوق أبناء الموحدين الدروز" في أي صيغة.
وفي ظل تمنّع "حزب الله" عن الدخول مباشرةً في عمق الأزمة واستقرار رأي عين التينة عند قاعدة واحدة: "مبادرة الرئيس بري للحل"، يكون النزاع مقبلاً على التمدّد أكثر، "وإذا ما كِبرت ما بتِصغر" وفق أوساط سياسية متابعة. وفي النتيجة لا حكومة!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News