هذا الحدث، الذي لم يُسجّل مثله في المدارس اللبنانية منذ عقود، يطرح تساؤلات عدة: منذ متى أصبح الاختلاط بين الطلاب مشكلة؟ ومنذ متى صار وجود فتى وفتاة في صف واحد "تهديدًا"؟ مع العلم أنّ بعض المدارس في لبنان تعتمد الفصل بين الذكور والإناث، ويعتبر الأهل ذلك أمرًا اعتياديًا، إذ أن القانون الداخلي لهذه المدارس يفرض ذلك، ومن لا يرغب بالفصل لا يقوم بتسجيل أولاده فيها. بينما ما حدث في الرشيدية أخرج النقاش إلى العلن بشكل غير مسبوق.
الأهالي المحتجّون يبرّرون موقفهم بأن هذه المرحلة العمرية حسّاسة، وأن الدمج قد "يفتح أبوابًا لا حاجة لفتحها". وقد وضعوا الكرة في ملعب إدارة المدرسة واللجان والفصائل والمشايخ، بانتظار معالجة سريعة للأمر.
على مواقع التواصل… انفجار غاضب وساخر
الموضوع انتقل بسرعة إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعالت التعليقات الساخرة والغاضبة على حد سواء:
"يعني الجامعة مختلطة، الشغل مختلط، الشارع مختلط، المطاعم والكافيهات مختلطة… فجأة الصف العاشر صار الخطر الأكبر؟"
"إذا كانت التربية صح… البنت ما بيهزّها صف كامل!"
"حتى لو فصلتوهن، رح يختلطوا على الواتساب والإنستغرام… المشكلة مش بالمدرسة، المشكلة بالبيت."
"ديننا دين وسطية، مش دين الحجر والعزل. الفاسد بيفسد بين ألف بنت أو لو كان وحده بغرفة مسكّرة."
وبينما اتّهم البعض الفريق الرافض بالقلق على ضعف الثقة في تربية بناتهم، كان هناك من صفّق لقرار الأهالي:
"منيح بعد في ناس واعية إنو الاختلاط غلط كبير."
"كرامة البنت فوق كل شي."
مع ذلك، وبالمقارنة، كان الرأي العام الشعبي يميل بوضوح إلى رفض الانسحاب، داعمًا لمفهوم التربية والانضباط بدل العزل والفصل.
ماذا عن الدين؟
من المهم التأكيد — لأن كثيرين يتحدثون باسم الدين — أنّ الإسلام لم يحرّم الاختلاط تحريمًا مطلقًا، فقد وُجد اختلاط منضبط في عهد النبي: في المسجد، السوق، حلقات العلم، والبيئة العامة، مع ضوابط السلوك والآداب.
إذن، المشكلة ليست في وجود الذكور والإناث معًا، بل في غياب التربية والضبط المدرسي. فمن يظن أن الفصل سيمنع الخطأ، عليه أن يتذكّر أنّ الانحراف يبدأ من البيت، لا من المقعد الدراسي.
القضية في الرشيدية تقع على عاتق كل المعنيين: إدارة المدرسة، لجان المخيم، الفصائل، وحتى وزارة التربية. ومن يعتقد أن حل مشكلات التربية يبدأ بعزل البنات عن الأولاد، فهو يتهرّب من مسؤوليته الأساسية: التربية الصحيحة.
المدرسة مكان للتعليم والتنشئة وبناء الثقة، وليست مكانًا لرفع جدران وهمية بين الذكور والإناث. الاختلاط نفسه ليس الخطر، بل الخطر الحقيقي يكمن في غياب القيم والاحترام. التربية تبدأ في البيت قبل المدرسة، والقيم تسبق الجدران. المعركة الحقيقية لا تُحل بالفصل أو بالقوانين الوهمية، بل بالتربية السليمة وغرس المبادئ الصحيحة.