"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
حسناً، الجميع تقريباً، دخل كشريك مُضارِب على خط اللقاح الرّوسي "سبوتنيك V" على نحوٍ لا يُخالف دخولهم في ما له صلة بموضوع تأليف الحكومة. لكن ما يدعو إلى الإستهجان والقلق، أنه، وفي حمى استعار النقاش حول اللقاح الروسي المنشأ، تجد أن موسكو ـ على فرض أنها معنية ـ آخر من يعلم بكل الذي يحصل في بيروت!
يستعر النقاش حول اللقاح الروسي لبنانياً، وعند هذه الضفّة، يتولّد فريق من اللبنانيين يؤمن بنظرية إجراء مفاضلة بين اللقاحات "متعدّدة الجنسيات"، حيث تترك الحرية للمواطن كي يختار من بين الأصناف الموجودة، وهنا، لا يمكن فصل النقاش المحلي عن مثيله الدولي، طالما إننا شاهدون على مسلسل جديد من التزاحم الروسي ـ الأميركي تحت العنوان الصحي، السِباق الذي يسمح البعض لأنفسهم تشبيهه بزمن السباق على التسلّح الذي أقلقَ، فأغرقَ أوروبا.
عملياً، أصبحَ من المُحال في مكان فصل السياسة عن مجالات الصحة، كعدم جواز الفصل بين السياسة والإقتصاد والمال، وقد باتت كل هذه القضايا متداخلة ومترابطة ومتّصلة فيما بينها في جوانب حيوية شديدة التعقيد، وهذا الأمر قد سبق دخول "كوفيد-19" عالمنا. هذا الإنعكاس لا بد أن يسقط بظلاله على الواقع اللبناني إذاً.
مع ذلك، فإن النقاش حول اللقاح الروسي لم يدخل بعد مدار الجدّ لبنانياً. وعلى ذمّة أوساط مواكبة لـ"ليبانون ديبايت"، فإن "ما يُسمع أو يتردّد من كلام هناك وهناك حول "سبوتنيك V"، "لا يغدو أكثر من كونه كلاماً في الهواء"، ولحينه، تؤكد أوساط مطّلعة على الدبلوماسية الروسية في بيروت "إن أي تواصل رسمي بين الجانبين اللبناني والروسي حول موضوع اللقاح لم يحصل لغاية تاريخه".
من هنا، ثمّة من يفتح "قوساً" حول الزيارة الأخيرة لمستشار رئيس الجمهورية ميشال عون، أمل أبو زيد، إلى موسكو ولقائه بنائب وزير الخارجية الروسي المكلّف متابعة ملفات الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، وقد سُرّب لاحقاً أن أبو زيد فاتحَ الدبلوماسي الروسي في مسائل كثيرة، من بينها شؤوناً سياسية تتصل بنظرة موسكو إلى الأزمة الحكومية وموقفها من المبادرة الفرنسية. ولعل السبب الآخر للزيارة يكمن في الإستطلاع السياسي، سيما مع الكلام الذي راجَ مؤخراً حول أنها تتبنى قواعد الرئيس سعد الحريري المعتمَدة لتأليف الحكومة، وشؤوناً صحية كتأمين كمية من اللقاح الروسي إلى الجانب اللبناني "على شكل مساعدة". وقد نقَل أبو زيد عن الدبلوماسي الروسي استعداد موسكو لتزويد بيروت بكمية مجانية من اللقاح، وهو ما تنفيه أكثر من جهة ومصدر، ومن بينهم أصدقاء قدامى للجانب الروسي، بدليل أن بوغدانوف ليس الجهة المخوّلة البتّ روسياً بمسألة على صلة بموضوع تزويد جهة خارجية، غير روسية، بكميات مجانية من اللقاح الروسي.
أضف إلى ذلك، أن الجانب اللبناني، بات يرزح تحت ضغوط مصدرها أكثر من خبير داخل "لجنة متابعة إجراءات مكافحة كورونا"، يقترحون توجّه لبنان الرسمي نحو موسكو ومفاوضتها على تأمين كمية من اللقاحات "بأسعار مناسبة"، بعدما أثبتت الدراسات جدوى "سبوتنيك V". ولهذه الغاية، يتحضّر وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن للتوجّه إلى موسكو لبتّ المسألة، رغم أنه لم يقدّم بعد أي طلب رسمي بهذا الخصوص إلى السفارة.
والتضارب في مسألة "اللقاح" ينعكس على المسار السياسي، فما يتردّد عن "لقاح سياسي روسي" تستعد موسكو لحقن الجسد السياسي فيه يأتي على شكل مبادرة، أمر غير مؤكّد بعد بالنظر إلى التحرّكات الروسية على الأرض. والثابت أن موسكو تتقاطع "من حيث المبدأ" مع المساعي الدولية لحل الأزمة اللبنانية بـ"الطرق السلمية، وتحت الضوابط التي تحفظ سيادة لبنان". فعلى مستوى السفارة، تأتي حركة السفير الجديد، ألكسندر روداكوف، على خلفية التعارف مع القطاعات الأمنية والإعلامية وبعض السياسية، ولا يمكن وسمها في إطار "التحضير لمبادرة أو تهيئة ظروفها"، فيما المبادرة التي قامَ بها بوغدانوف عقب اتصاله بكل من رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، تندرج، وفق أوساط دبلوماسية، في خانة "المبادرات والعلاقات الشخصية". وهنا، تعتقد المصادر أن خطوة بوغدانوف "غير رسمية، بل تأتي من خلفية الإستطلاع الشخصي"، وهو ما يقود إلى الإعتقاد أن بوغدانوف لم يَنَل بعد إذناً روسياً بالتحرّك رسمياً تجاه بيروت.
يُضاف إلى هذا الجانب، أن الدبلوماسي الروسي، الذي سبق له وأن عمل في السفارة في بيروت، يتمتّع بعلاقات شخصية وسياسية مع أكثر من طرف لبناني كالحريري وجنبلاط. فالأول، خصّص مبعوثاً له إلى موسكو يحصر لقاءاته عادةً ببوغدانوف المفوّض متابعة ملفات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما جنبلاط الذي يحوز على أفضلية مقارنة مع غيره نسبة لتمتّعه بصلاحية تسمية السفير اللبناني في موسكو، يتمتع بعلاقة شخصية مع الدبلوماسي الروسي تعود لفترة خدمة الأخير في بيروت. لكن هل تخوّل العلاقات الشخصية، دبلوماسياً روسياً على المبادرة باتجاه إجراء اتصالات "تحت إسم الدولة الروسية" مع شخصيات سياسية محدّدة يتقاسم معهم علاقات شخصية، ما يعني حصر متابعة الملف اللبناني بهم؟
عملياً، الخطوة تتناقض وطبيعة التوصيف الرسمي الروسي للعلاقات مع الأطراف اللبنانيين، والتي تأتي على قاعدة "بناء علاقات متجانسة مع كافة أطياف الشعب اللبناني سياسياً وطائفياً" ويقوّض حضورها طبعاً. ثم أن حركة بوغدانوف، كما تراها أوساط سياسية محسوبة على خط 8 آذار، "تُخالف القواعد الروسية العامة، ومنحازة إلى طرف دون غيره"، وهو ما يدعو إلى القلق، فهل يعقل أن موسكو لا تعلم بتحركات أحد دبلوماسييها واختصاره للعلاقة والتنسيق باسم الدولة الروسية بأطراف محدّدة سياسياً وكأنه "فاتح عَ حسابه"؟ من هنا، تتخوّف أوساط 8 آذار من تكرار مرحلة التجاوزات التي وسمت فترة ولاية السفير ألكسندر زاسبكين، والتي يسأل عنها سياسيون لبنانيون ودبلوماسيين روس.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News