"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
غضُّ الطّرفِ عَمّا يَحدثُ في الولايات المتّحِدَة الأميركيَّة وبالتّحديد في مسألَةِ الإنشِطارِ الأُفقي لهذا البَلَد يشكِّلُ ثغرَةً كبيرَةً في التشخيص الإستراتيجي المتعلِّق بتأثير هذه القوة التي لَطالَما اتسّمَتْ بِصفاتِ العَظَمَة والأحاديَّة. أميركا ترامب غيرها أميركا بايدن.
حَكَمَ الرئيسُ ذو الغرَّةِ الشّقراء التي ملأت الدنيا وشَغِلَتِ النّاس أقوى دولَةً في العالَم عسكريّاً بذهنيَّةِ تاجِرِ شَنطَة. طبّقَ على موقِع الرّئاسَة أسلوبَ مندوب مبيعات في شركة أمنية. عَلى المَكاسِب الإستراتيجيَّة فضَّلَ الأرباح وعلى التحالفات فضَّلَ العُمولات وعلى الأمن الإستراتيجي شركة بلاك ووتر.
لَم يكن ترامب الرئيس الأوَّل في تاريخ الولايات المتَّحِدَة الذي أرسَى ثقافَة الإبتِزاز. سلفُه الأبعَد جورج بوش الأب أرسَى معادلة النّفط مقابِل الغِذاء لِتَدمير العِراق وللسيطرَة على منابِع النّفط فيه حمايَة لحليفَتِه الإستراتيجيَّة إسرائيل مِن صَواريخ الباتريوت. وراءَ تَدميرِ العِراق كِذبَةُ سلاحِ الدمارِ الشامِل. وراءَ سَرِقَةِ السّعوديَة كِذبَةُ التّهديد الإيراني.
تعاطَى ترامب مَع بعض دُوَل الخليج كصاحِب مزرَعَة بَطّ يعتَمِدُ تقنيَّة التّغذيَة القسريَّة. في هذه المزارِع يُثَبَّتُ عنقُ البَطّة ويُفتَحُ فَمُها وتُدخِلُ المِضخّاتُ الغِذاءَ إلى أحشائِها عَلى مَدارِ السّاعَة حتّى إنتِفاخِ كبِدِها. تَموتُ البطّةُ بعدَها بإخراجِ كبِدِها مِن بَلعومِها بِكمّاشَة وهي بعدُ عَلى قيدِ الحياة.
في تصريحاتِ ترامب الأخيرَة والتي أطلقَها قبيلَ نِهايَة ولايَتِه ما يشبِه منطِقُ عامِل مِضَخَّة. حكومات خاضِعَةٌ للتسليحِ القسري مقابِلَ حفنَةٍ من الدولارات. أمنُها مَيتٌ بالأدواتِ الدّاخليَّة وعلى قيدِ الحَياة بفضلِ مضّخات البترول والمال بالنقد النادِر. لا يحتاجُ المرءُ إلى الكَثير من الفِطنَة ليستنتِجَ أنّ أيَّ دولَةٍ - بَطَّة إذا صحَّ التّعبير لا يمكِنُ أن تنتَصِرَ في أيّ حَرب.
ما زالَت الولاياتُ المتّحِدَةُ دولَةً عُظمَى. لَم تَعدْ أحاديَّةَ العَظمَة. الأذى الذي ألحقه ترامب بِها أصابَها في الداخِل بعدَ أن أيقَظَ شياطينَها النائِمَةَ بينَ شمالها وجنوبها وخصومَها الخارِجَة عَن هيمَنتِها في أميركا الشماليَّة اللاتينيَّة كَما في المشرِق العَرَبي وصولاً إلى إيران.
مِن هنا يَبدو لَنا أنَّ كلَّ ما تمَّ إنجازُه على مستَوَى التّطبيع وَرَقيٌّ جِدّاً. ما لَم تَحُلّ أميركا ومِن خلالِها كيان الصّهايِنَة مشاكلهَا الإستراتيجيَّة مَع دولِ المواجَهَةِ القَريبَةِ والبَعيدَة فَلن يُعطي التّطبيعُ ثِمارَه الإقتصاديَّة والأمنيَّة والسياسيَّة.
نحن في لبنان في منطقَةٍ غير مأهولَةٍ إستراتيجياً. لَسنا فَي أيّ مرمَى إستِهداف. نحنُ مَرميّون لأوَّل مرَّة في تاريخِنا اللبناني الحَديث على قارِعَةِ الدّول. أثبَتْنا بعد المراجَعَةِ والتّدقيق أننا لَم نتعوّد حُكمَ أنفسِنا بأنفُسِنا عندما كانت الفرصَةُ سانِحَةً لَنا. نحنُ حبَّةُ رَملٍ في سياسَاتٍ دوليَّةٍ متنافِرَةٍ حيناً ومتكامِلَةٍ أحياناً أخرَى. حبَّةُ رَملٍ يتقاذفُها مَدُّ التّدويل وجَزرُ الحَياد. بلدُنا من حيث النّظام والهويَّة السياسية عِبارَةٌ عَن حَبَّةِ رَملٍ ليسَ إلا.
بالطّبع يَبقى أننا وَطَنُ شِعاراتٍ لا وَطَنُ أفعال. حَبَّةُ رملٍ ولا يَزالُ بِمقدورِها أن تنقَسِمَ إلى حَبَّتَينِ وثلاثٍ وأربَعَ حتى تَكادُ تتحوّلُ إلى جِزئيّاتٍ غير مرئيَّة. حبّاتٌ متنافِرَةٌ لا تتّفقُ على شيء. لا عَلى حكومَةٍ ولا على ميثاقٍ ولا عَلى دستورٍ ولا عَلى كِتابِ تاريخ. نَهَبَتْنا السلطةُ المتعاقِبَةُ فصِرنا أفقَرَ حَبَّةِ رَملٍ في العالَم.
الآتي أعظَم وهذه أيضاً ليسَت ورَقَة نَعيّ. هذه أكثَرُ مِن توقُّع وأقلُّ مِن نبؤَةٍ لِمرحَلَةِ ما بَعد المَوت. الرؤيَةُ مَعدومَةٌ بسببِ تَشَكُّلِ ضَبابٍ طائِفيٍ كَثيف. حرائِقٌ بسببِ إرتِفاعِ حرارَةِ التّفاهَة. تَفاهَةُ حصولِنا مجّاناً على وطَن لَم ندفَع ثَمَنه ليَبقى لَنا.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News