"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى
يمكن أن نقول إن ما نشهده من مساعٍ يقوم بها "الثنائي الشيعي" من أجل تأليف الحكومة، هي الفرصة الأخيرة لحكومة الرئيس المكلّف سعد الحريري لأن تبصر النور، وذلك، لأن جميع المصادر المقرّبة من مختلف الأفرقاء، تلتقي على موقف واحد، وهو أنه في حال فشل هذا المسعى فالأمور ذاهبة لا محالة إلى التصعيد.
فمن جهة، يؤكّد مصدر قريب من الرئيس المكلّف، أن جميع الخيارات ستكون مفتوحة أمام الحريري في حال فشل التأليف، إن لناحية استقالة نواب تكتل تيار "المستقبل" من مجلس النواب، أو لناحية الإعتذار، إلا أنه يشدّد على أن الرئيس الحريري، لن يُقدم على الخطوة الأخيرة بشكل انفرادي، إنما تبعاً لاتفاق لا يجعل من هذا الإعتذار سابقةً من نوعها يمكن أن ترقى لتكرّس عرفاً خطيراً.
من جهة أخرى، تشير مصادر مقرّبة من "الثنائي الشيعي"، إلى أن هذا الثنائي قد أبلغ فريق العهد، أن الفرصة سانحة اليوم للتأليف، والإبقاء على الفراغ سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحميل وزره لــ"حزب الله" والعهد، لذلك، ومع تأكيد هذا الثنائي على استمراره في دعم تكليف الرئيس الحريري إلى حدود أن تكون الحكومة التي يزعم تأليفها قادرة على النجاح، إلاّ أنه في حال فشل المسعى القائم اليوم، فإن ذلك سيُقابل بموقف حازم من قبل الثنائي الذي سيتحوّل إلى رأس حربة في المطالبة باعتذار الأخير.
أما بالنسبة لمصادر العهد، فهي تشدّد على أن هذا الفريق يدرس خياراته التصعيديّة تحضيراً لما بعد فشل هذه المحاولة منذ الآن، وصحيح أنه يعطي المسعى القائم كل المجال من أجل أن ينجح ، إلا أنه، في حال فشل، فهو بطبيعة الحال لن يقف مكتوف اليدين حائراً بأمره، وإنما سيبني على الشيء مقتضاه والذي من الممكن أن يصل إلى حد المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة.
أما بالنسبة، للسؤال الذي يجول في رأس كل لبناني، وهو: لماذا أتت هذه الإيجابية المفاجئة الآن، وما سرّها في هذه اللحظة السياسية بالذات؟ فتقول أوساط سياسية مطلعة، أن "حزب الله" وضع كل ثقله في مسألة التأليف لاعتبارات عدّة، أولها أن صدقية وصورة أمينه العام السيد حسن نصرالله أصبحت على المحكّ أمام شارعه، في ظل المحاولات العديدة التي قام بها لتشكيل الحكومة، والتي باءت جميعها بالفشل. فهو حاول حلحلة العقد عبر الوساطات ولم يفلح، كما حاول التقاط العصا من وسطها عبر دعوة رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف إلى التوافق ولم ينجح، بالإضافة إلى أنه أدار محرّكات الحزب في أكثر من اتجاه والنتيجة كانت دائماً سلبيّة، لذلك يعتبر الحزب أنها الفرصة الأخيرة لمحاولة تأليف حكومة على رأسها سعد الحريري الذي لا يزال حتى اليوم متمسكاً بتكليفه وداعماً له.
ولفتت الأوساط، إلى أن "حزب الله" اليوم، وبعدما وضع كل ثقله في مسألة التأليف، شهدنا تبدّلاً علنياً في موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي غيّر في المعادلة الجامدة على هذا المستوى منذ تسعة أشهر، فالحزب الذي لطالما كان داعماً لتأليف الحكومة لأسبابه الإستراتيجية الداخلية من جهة، وتموضعاته التكتية من الجهة الأخرى، ضاق ذرعاً من التعطيل القائم ، ويجنح نحو تحقيق أهدافه في هذه اللحظة السياسية، عبر دعوة طرفي التعطيل النائب جبران باسيل والرئيس الحريري، إلى الذهاب لتأليف الحكومة، مفوّضاً كلّ مسار الإتصالات إلى الرئيس بري ليقوم بأكثر ما يحسن القيام به وهو استنباط الحلول للأزمات والعقد.
وعمّا إذا كان بإمكان الحزب هذه المرّة إزالة العوائق التي حالت دون التأليف في المرّات السابقة؟ تقول الأوساط، أنه من الواضح أن الحزب يريد اليوم أن يفكّ بشكل كامل أي احتمال للربط ما بين الإنتخابات الإيرانية والحكومة، باعتبار أنه لا مصلحة لإيران في هذه المرحلة بأن يقال بأنها وراء التعطيل في لبنان، خصوصاً في ظل مفاوضاتها الجارية في فيينا، وبالتالي، لا تريد أن توجّه أي رسائل من هذا القبيل في هذه اللحظة السياسية، خصوصاً وأن أياً تكن صيغة الحكومة المشكّلة، فهي بطبيعة الحال لا تشكل أي خطر على "حزب الله"، لا بل العكس تماماً تشكّل مصلحة له، باعتبار أنه يريد حكومة من أجل أن يتمكن من الحفاظ على "الستاتيكو" القائم ،وبالتالي موازين القوى القائمة في البلاد.
وتشير الأوساط، إلى أنه من الجهة الثانية، لا يريد "حزب الله" أن تذهب الأمور باتجاه خيارات يصعب عليه ضبطها، وهنا الكلام عن الخيارات التصعيدية التي لوّح بها فريقي العهد من جهة، والرئيس المكلّف من الناحية الأخرى، باعتبار أن الحزب لا يفضّل فقط عدم الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، وإنما يعتبر أن مسألة مماثلة تشكل ضرباً بالعمق بموازين القوى القائمة، وبالتالي، ضرباً مباشراً له ولوضعيته الداخلية في لبنان، لذا جلّ ما يريده هو التأليف لإبقاء الأمور على ما هي عليه في المرحلة القادمة، لأنه ما من إمكان للحفاظ على "الستاتيكو" إلا من خلال تأليف الحكومة، لأن عكس ذلك، أي الفراغ، سيؤدي إلى مزيد من توتير الأجواء ما بين حليفيه الأساسيين اليوم على المستوى الإستراتيجي في هذه المرحلة، وهما ميشال عون وسعد الحريري، بالإضافة إلى تفاقم الخشية الحقيقية من ذهاب البلاد إلى فوضى اجتماعية، في ظل تزايد الإنهيارات على المستوى الإقتصادي والمالي، والتي من شأنها أن تبدّل كل المشهد السياسي الحالي وموازين القوى، وبالتالي انفراط "الستاتيكو" الداخلي الذي جهد الحزب لإرسائه بين يديه.
وختمت الأوساط، مشدّدة على أنه لا يمكن اليوم لأحد معرفة ما إذا كانت الأمور ستذهب نحو التأليف أو ستأخذ منحىً تصعيدياً، باعتبار أن "بورصة التأليف" لا تزال 50% 50% والأمور رهن الساعات والأيام القليلة القادمة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News