"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى
يقول الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو: حتى في أسوأ المحن قد تجد خيراً كافياً يُمَكِّنُكَ من احتمال المحنة. إلاّ أنه لو كُتب له العيش لمجرّد إحدى عشرة سنة إضافيّة لكان ربما عدل عما قاله لحظة يرى أداء الأكثرية الحاكمة عندنا، التي لا خير يُرتجى منها أبداً، والأزمات التي تعصف ببلدنا من كل حدب وصوب. إلا أن ساراماغو ليس على خطأ أبداً في ما قاله، إذ أنه ولو تعذّر إيجاد أي خير في هذه السلطة الحاكمة، إلا أن الخير متوافر دائماً ولا بد لبصيص أمل أن يومض بين الفينة والأخرى من مكان ما، على اعتبار أنه لكل نفق نهاية وبعد كل ظلمة نور لا محالة.
وبالفعل بصيص الأمل ومض بالأمس من الفاتيكان ، عبر اللقاء الذي دعا له الحبر الأعظم البابا فرنسيس والذي جمع إليه رؤساء الكنائس في لبنان، والأسئلة الأساس هي: هل ينفرج الوضع اللبناني وتنتهي الأزمة الماليّة أو لنقل هل ستبدأ فرملة هذه الأزمة؟ وهل تتشكّل الحكومة؟ وهل تنطلق إندفاعة دوليّة ومحليّة جديدة في هذا الإتجاه على أثر هذا اليوم الفاتيكاني الطويل؟
وفي هذا الإطار، أكّدت أوساط سياسيّة متابعة أنه ممّا لا شك فيه أن الكرسي الرسولي لم يعقد هذا اللقاء للصلاة من أجل لبنان وشعبه عن طريق الصدفة، وإنما هو تأكيد واضح لحرصه على لبنان واللبنانيين وقلقه الدائم على الوجود المسيحي فيه وعلى مستقبل لبنان كدولة وكمساحة مشتركة ما بين أبنائه وكوطن رسالة للعيش المشترك، لذا لا بد أن الحبر الأعظم أراد من هذا اللقاء أن يكون محطّة يوجّه من خلالها أكثر من رسالة.
ولفتت الأوساط إلى أن الرسالة الأولى التي وُجّهت من خلال هذا اللقاء هي لعواصم القرار، لكي تعلم هذه العواصم أن لبنان هو في قلب الفاتيكان وفي عقله والكرسي الرسولي لن يسمح أبداً بتركه وبأن تكون هناك أي مقايضة أو تسوية على حسابه، وقد أتى هذا اللقاء لإفهام عواصم القرار هذه بأنه عليها مساعدة اللبنانيين ولبنان على الخروج من أزمته وألا تسمح بأن ينزلق إلى العنف والفوضى المجتمعيّة بفعل أزمته الماليّة، وبالتالي أراد البابا أن يكون هذا اللقاء محطةً لانطلاق الإندفاعة الدوليّة مجدداً من أجل وضع حد لهذه الأزمة اللبنانية المتمادية، باعتبار أن الفاتيكان يخشى في حال استمرارها من أن تنتج تحولاً ديمغرافياً كبيراً داخل النسيج اللبناني وبالتالي أن تتضرّر البيئة المسيحيّة في لبنان.
واعتبرت الأوساط أن المسيحي اعتاد على نمط عيش معيّن وفي ظل الإنهيار الكامل في بعض القطاعات الحيويّة الأساسيّة للمسيحيين من إستشفائيّة، وتعليميّة، وسياحيّة ومصرفيّة، هناك قلق فاتيكاني من أن تكون هذه الأزمة مناسبة لتهجير المسيحيين، لذا أراد الحبر الأعظم إفهام عواصم القرار بأنه معنيّ جداً بهذه الأزمة ولن يسمح بأن يسقط لبنان "فرق عملة" أو محط تسويات وصراعات كبيرة وعليها مساعدته فوراً، ولا شك في أن صدى الموقف الفاتيكاني سيتردّد في هذه العواصم في محاولة لتجديد مساعيها من أجل إنهاء هذه الأزمة.
وأشارت الأوساط إلى أن الرسالة الثانية التي أرادها الحبر الأعظم من هذا اللقاء ، موجّهة إلى الشعب اللبناني عموماً والمسيحيين من بينه خصوصاً، بأنهم غير متروكين لقدرهم ومصيرهم كما يحاول البعض إفهامهم وأن الفاتيكان يصلّي من أجلهم، لذا أراد من خلال هذا الحدث أن يقول لهم إنه سيساعدهم على الخروج من هذه الأزمة، كما أن هذا اللقاء هو دعوة لهم بأن يصمدوا في أرضهم وقناعاتهم من أجل تجاوز هذه الصعاب التي يعانون منها اليوم باعتبار أن لا شدّة إلا ولها نهاية. وبالتالي أراد البابا فرنسيس تقوية عزيمتهم وأن يشدّ على أيديهم ولا شك أن هذا الحدث سيعطي أثراً إيجابياً لدى المسيحيين وسيقوّي بشكل أو بآخر عزيمتهم جراء تأكدهم من أن هناك حرصاً فاتيكانياً عليهم وعلى استمرارهم وبقائهم، فهم يعلمون أنه لا بدّ وأن تترجم هذه الإرادة البابويّة لأن الفاتيكان لن يسمح أبداً بإلغاء وضرب آخر مساحة حرّة للمسيحيّة المشرقيّة.
أما الرسالة الثالثة، فبحسب الأوساط هي موجّهة للعواصم التي تتفاوض في هذه المرحلة إن كان في فيينا أو في اللقاءات التي تُعقد ما بين الإيرانيين والسعوديين أو اللقاءات التي حصلت ما بين وزراء خارجيّة واشنطن وباريس والرياض، ومفادها أن لبنان لا يمكن أن يقوم وأن ينهض إلا وفق ثوابت فاتيكانيّة ومسيحيّة أساسيّة لها علاقة بثوابت الكنيسة المارونيّة المتعلّقة بقيام الدولة الفعليّة والقويّة في لبنان وإعلان حياده، الأمر الذي من شأنه أن يعيد الإعتبار إلى دوره ، وبالتالي يقول لهذه العواصم بأنه لا يجوز أن تحصل أي تسوية على حساب لبنان وأن خريطة طريق إنقاذه واضحة ويجب اعتمادها من أجل عودة الإزدهار إلى ربوعه.
وشدّدت الأوساط على أنه لا شك في أن هذا اللقاء شكّل محطّة مهمّة، ولا شك أيضاً في أن الحراك سيتضاعف من بعده لما للفاتيكان من تأثير كبير على عواصم القرار، وبالتالي في ظلّ هذه الرسائل ما بين الصمود في الداخل للبنانيين والمسيحيين تحديداً وما بين تزخيم الحركة الخارجية ورسم خطوط حمراء حول لبنان في ما خصّ التسويات، لا شك في أن الأمور ستشهد تغييراً في الأسابيع والأشهر المقبلة، لأن الحبر الأعظم لا يمكن أن يقبل باستمرار الوضع على ما هو عليه.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News