فتات عياد-التحري
تصميم-وليد شهاب
"فادي ما سقط" هي عبارة لطالما ارتبطت بإعلان لبناني شهير يوثق حالة التسرب المدرسي، وعمالة الأطفال في محطات الوقود. ولسخرية القدر. ها هي المحطة عينها تقف عائقاً هذه المرة في وصول طلاب لبنان لمدرستهم، سواء لناحية "النطرة" على بابها في طابور الذل أو لناحية "كلفة" البنزين. وإذا كان وزير التربية طارق المجذوب أعلن اليوم أن التعليم سيكون حضورياً، فإن أساتذة المدارس الرسمية يصفون هذه العودة بالأمر المستحيل!
وتخطت نسب النجاح في شهادة البكالوريا الـ90% في 3 فروع هذا العام، في مؤشر على إرادة التعلم لدى طلاب لبنان رغم جميع الصعوبات التي مروا بها في العامين الأخيرين.
فهم تخطوا عقبة التعليم عن بعد، وضعف جودة الانترنت، وانقطاع الكهرباء، ودرسوا على ضوء الشموع، وأحياناً، على ضوء الأرصفة وربما ضوء القمر!
وهم مروا –كأهلهم- بحالات توتر وخوف إزاء الحرب النفسية التي يعيشها اللبنانيون جراء تبعات الانهيار الاقتصادي، سيما بعد انفجار مرفأ بيروت.
ومع تعقد المشهد السياسي في البلاد، يبدو مستقبل الأجيال التعليمي قاتماً أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من كل تأكيدات الوزير المجذوب وضماناته للعودة. فلا الأهل، ولا الأساتذة يرحبون بهذه العودة وفق صيغتها الحالية. وسط غياب خطة طوارئ جدية تنتشل العام الدراسي من ضبابيته.
المدارس تبدأ في 27 أيلول!
بعد حوالي شهر من الآن، يبدأ العام الدراسي 2021-2022، هذا ما أعلنه وزير التربية طارق المجذوب، في مؤتمره اليوم، الذي أعلن فيه أنه "قررنا العودة الى التدريس الحضوري في المدارس والثانويات والمعاهد والجامعات". بينما اللبنانيون خائفون جديا، من صعوبة دفع نفقات تعليم أولادهم، بدءا من المحروقات وصولا للإنترنت إن استبدل التعليم الحضوري بالتعلينم عن بعد، إذ أن السيناريوهان مكلفان وباتا "لمن استطاع إليه سبيلا!
وإذ أكد المجذوب أن "التعليم في المدارس الرسمية يبدأ في 27 أيلول المقبل والمدراس الخاصة بين أيلول ومطلع تشرين الأول المقبل"، استند في خطة العودة على 3 أمور أساسية هي:
-سيتم اعتماد 4 ايام تعليم في المدارس والثانويات الرسمية كحد ادنى وترك اليوم الخامس للتعليم عن بُعد للكفايات بسبب أزمة المحروقات.
- تم تأمين لقاحات كورونا مجانية للأساتذة وقرطاسية لصفوف الحلقة الأولى والثانية والواح الطاقة الشمسية في 128 مدرسة موزعة على المناطق.
- اعفاء المدارس من المتأخرات ورسوم المساهمات في الصناديق وتأمين المحروقات المدعومة للمؤسسات التعليمية.
استحالة العودة
من جهته، يرى عضو اللجنة الفاعلة المتابع للأساتذة المتعاقدين في الجنوب الاستاذ حسن سرحان، أن الوزير المجذوب "يجلس في بروج مشيدة، وينظّر علينا من عليائه"، مؤكداً أن خطة العودة التي أعلن عنها الوزير "شبه مستحيلة، كي لا نجزم باستحالتها!".
ويلفت إلى أن أساتذة التعليم الرسمي ينقسمون بشكل أساسي إلى أساتذة في الملاك وأساتذة متعاقدين. وإذ يبلغ راتب الأستاذ المتعاقد مليون و 500 الف ليرة، يسأل سرحان "ماذا سيحل به مع رفع الدعم نهائياً عن المحروقات آخر أيلول المقبل؟ وهل يعقل أن يتقاضى الأستاذ راتباً بالكاد يعادل 4 صفائح بنزين؟ ومن أي منطلق إذاً تطلب منه العودة للتعليم حضورياً؟".
وحتى من في الملاك، الوضع عندهم ليس أفضل بكثير، "فبعضهم بالكاد يصل راتبه إلى مليوني ليرة، أي مئة دولار فقط لا غير وفق السوق السوداء للدولار". وهؤلاء "لديهم عائلات ومتطلبات ومنح مخصصات وتقديمات انخفضت لدى تعاونية موظفي الدولة. وغالبيتهم بات يفلس في متنصف كل شهر".
وما يزيد الصورة قتامة، هو أن 70% من أساتذة المدارس الرسمية هم من المتعاقدين، وهنا، وفي غياب ضمان صحي يغطيهن، يسأل سرحان "إذا كان أرخص دواء يبلغ سعره 100 الف ليرة، فماذا عن الطبابة، وماذا عن الأساتذة المصابين بأمراض مزمنة؟ وبأي عين تطلب منا العودة للتعليم دون أي تصحيح لأوضاعنا ورواتبنا؟".
وليست أحوال الاساتذة العائق الوحيد "فالمدارس الرسمية شبه مفلسة وكل شيء بات يباع وفق الدولار، وحتى تصوير الأوراق، بات يحصل على نفقة الطلاب في بعض المدارس".
ويستغرب سرحان "عودة الطلاب في البلدات النائية الى المدارس"، فهؤلاء "لن تستطيع إدارات مدارسهم تأمين المازوت في الشتاء للتدفئة"، عدا عن قطع الطرقات وتعذر وصولهم للمدارس.
أما عن إمكانيات الأهل، فحدث ولا حرج، "فبعضهم لا يستطيع إعطاء ولو 5 آلاف ليرة لابنه سعر منقوشة، وحتى التعليم أونلاين بات شبه مستحيل مع انقطاع الكهرباء وغلاء المازوت وبعض العائلات يدرس ثلاثة اولاد منها على هاتف واحد، والوضع أكثر من مزر".
كل هذه الأزمات تستدعي خطة طوارئ عاجلة، يضيف سرحان "لإعطائنا أموالا بالفريش دولار لتغطية الحد الأدنى من معيشتنا، أو تصحيح الأجور، وكما نحن، لن نستطيع الاستمرار مطلقاً".
ويذكر سرحان كيف أن "قسما منا مسجل في قسم تعليم السوريين بينما هو يعلم في الدوام الصباحي"، سائلا عن "الاموال التي تأتي بالدولار من قبل المنظمات المانحة ولماذا بعض موظفي الوزارة يتقاضون اجورا بالدولار"، معلقا بالقول "ظلم بالسوية عدل بالرعية".
وعما إذا كانت جودة التعليم في خطر اليوم، لا ينفي أن "الانهيار الحاصل سيطال القطاع التعليمي"، مذكراً بمئات الأساتذة الذين هاجروا، متأسفاً على مستقبل التعليم في لبنان.
الأهالي: عام فاشل
"فاشل، فاشل، فاشل". بهذه العبارة عبّرت رانية عزام، وهي أم لطالب في المرحلة الثانوية، عن فقدانها الأمل بنجاح العام الدراسي القادم.
ومع درايتها لأهمية "تسجيل أولادنا في العام الدراسي 2021-2022، لا سيما وأن أولادنا بحاجة ماسة لتعويض النقص في المنهج الدراسي بسبب التعليم عن بعد في السنتين الماضيتين"، لكنها تشكك في "عدم استفادتهم حتى لو تسجلوا"، مستشهدة بتجربة التعليم عن بعد، وذلك بعد تفشي وباء كورونا والأزمات الأخرى التي عصفت بلبنان.
في الإطار، تقول "رأينا كيف كان التعليم عن بعد عندما كانت الأزمات أخف وطأة وكان سعر الوقود مدعوما وكان الانترنت متوفرا في المنزل وكانت اقصى مشاكلنا انعدام جودته لا انقطاعه نهائيا.
وتسأل "اليوم باتت أجرة السرفيس 25 ألف ليرة ضمن المنطقة الواحدة، وذهابا وإياباً سيكلفني يوم دراسي 50 ألف ليرة، عدا عن مصاريف ابني في المدرسة. والوقود وحده للوصول إلى المدرسة سيكلفني بحدود 800 ألف ليرة، وهو الحد الأدنى للأجور، عدا عن عدة الدراسة والقرطاسية...".
هذه الظروف جميعها تدفعها للهجرة، "فمن لديه القدرة على دفع كل هذه المصاريف، يهاجر او يؤمن أقله مستقبل اولاده في الخارج". ثم "بماذا ينفعنا توفر المال إذا لم يتوفر الوقود في المحطة ولا المازوت لدى صاحب اشتراك المولد؟ وبعد سرقة عمرنا في لبنان هل المطلوب تدمير مستقبل أولادنا وحرمانهم من التعليم؟؟
"فادي ما سقط"، لكن الدولة اللبنانية ترسب يوميا في نظر شعبها، وبكافة المقاييس. ها هي تهدد الأجيال الشابة بعلمها، وهو حصاد لا ذنب لهذه الأجيال به، لكن "الأباء يأكلون الحصرم والاولاد يضرسون"، وأسوأ ما في هذا الحصرم، أن بعض الآباء خبروا المنظومة ل ٣٠ عاما، ولكنهم، من تجربتهم لا "يتعلمون"!
اخترنا لكم



