مريم مجدولين اللحام – التحري
ككل المحتجزين والمحتجزات رهائن لصالح هذه المنظومة الفاسدة المتعبّدة بنهبنا تصارع أمي،-التي تبرّعت لها أختى الصّغيرة بإحدى كلوَتيها-، لإيجاد ثلاث علب دواء "ماي فورتيك" شهرياً من وزارة الصِّحة (ذلك قبل التّوجه نحو خيار المحتكرين من الصيادلة) كي لا يلفظ جسمها هذه الكلوة ويحاربها على اعتبار أنها "جسم غريب". ثلاث علب، من المفترض أن تحصل عليها والدتي كـ"مواطنة صالحة لا حُكم عليها" بدون مقابل من الوزارة، إنما أضطر أنا وإخوتي إما للبحث عنها على امتداد خريطة لبنان، بين طوابير الصيدليات، أو شرائها بـ6 ملايين ليرة لبنانية من الخارج بعد إعلانها "مفقودة". كل ذلك، على أن نؤمن هذا الدواء شهرياً و"إلا"!
6 ملايين ليرة، أي ما يعادل عمل 3 أشهر على الأقل لموظّف عادي، "هيدا لا أكلنا ولا شربنا" ومثل أمي كُثر، يواجهون قلقاً يومياً واستنزافاً لأعصابهم كل هذا لأن الوزير اختار أن يصرف نظره عن الاحتكار مدة 6 أشهر ويفتح باب الأذونات على مصراعيه ويوقع للمستوردين على فواتير بقيمة 600 مليون دولار مدعوم، دون التدقيق وراءهم: أين الأدوية، هل فعلا استقدموها أم كانت فواتير وهمية، هل استُقدمت إلى لبنان ثم أعيد تهريبها إلى أسواق عربية كسوريا والعراق أم ماذا؟! في حين أن الأرقام تقول أن في نفس الوقت من السنين الفائتة (عندما كان الدواء غير مقطوع) كان مجمل الفواتير لا يتعدى الـ100 مليون دولار!
يستفزّني جداً، دور المُنقذ الذي يلعبه الوزير حسن بعد إهماله الوظيفي الواضح. فهو حرفياً قد أغفل واجب الحيطة والتبصّر والإحتراز والإنحراف عن سلوكه الواجب عليه كوزير كي يجنّب المواطنين، بمن فيهم والدتي، الضرر. سواء كان ذلك بقصده أو عن غير قصد.
إذ أنه، لم يمثّل دوراً هوليوودياً فحسب، بل جلس متربعاً على دواء أمي، ووجّه أنظار الناس إلى المحتكرين الصغار. في حين أنه، هو، بشخصه ووزارته قد أخلّ بدوره المعهود إليه وسهّل عملية الإحتكار ومهّد للمحتكرين طريقهم دون أن يعدّ العدة الكافية لوقاية الناس من الاحتكار وصد المجرمين بخطوات استباقية مع أنه يعلم جيداً باحتمال نشوء الضرر ولم يحمي قطاعه ولا رعيّته المسؤول عن أمانهم الصحّي مع أنه كوزير تابع لمحور "الصبر والبصيرة"، فأين كانت البصيرة هنا؟ وأين هو "فائض القوة" عندما يحتاجه المواطن؟! كنت لأتمنى "يوماً مجيداً" في السابع من أي شهر أن توزع الأدوية المضبوطة على الناس. هكذا تكون الأيام المجيدة.
صحيح أنه، ربما، لا نية جرمية لديه ولكن يكفي جرم التقصير والإهمال وعدم التبصُّر "اللي لابسه لبس". فمعظم الأدوية مفقودة في الوزارة. والوزير المصون، استخدم قلمه كختم أوتوماتيكي أعمى، يتوّج به فواتير و"أدوية على الورق" لم تصل إلى أمي. أمي التي باتت على أبواب سن التقاعد، وأمضت حياتها تدفع ما عليها من موجبات وضرائب وتمارس حقها الديمقراطي لا بل واجبها بالإنتخاب حتى عندما كانت تحمل أوجاعها، بعد "غسيل الكلوة" كي تقوم بواجبها الوطني باختيار المرشح الذي يمثلها لتُقابَل بتعريض حياتها للخطر. فبأي ذنبٍ أمي تدفع هذه الأثمان.
كِبْر رقعة المعاناة مع الأدوية وارتفاع أعداد المعانين مع هذه الوزارة، وكونها طالت شريحة كبيرة جداً من الناس لا يبرر التعرّض لأمي. ولا يخفف من هول الجريمة التي نتعرّض إليها كمواطنين. يسقط التأقلم مع معاناتنا. يسقط خوفنا من النظام القاتل. تسقط آلية الترويض والإسكات هذه. تسقط جُمل "كلنا هيك شو بس أمك؟" يسقط مبدأ "البقاء للأقوى". يسقط السكوت عن حقوقنا خاصة عندما تطال العديد وليس العكس!
كلوة أختي التي تبرّعت بها لأمي، تحوّلت من نعمةٍ إلى نقمة. والمقيت أنه في بعض مصادرات المازوت المُحتكر، وبالرغم من أننا لا نعرف كمواطنين إلى أين صودرت بتقارير واضحة، إلا أن بعضها وزعه الجيش اللبناني على الناس دون مقابل كما أًصدر بحق بعضها أيضاً قرارات قضائية كقرار القاضية عبير صفا في منتصف آب لتوزيعها كمضبوطات إلى مستشفى الجامعة الأميركية ومستشفى رفيق الحريري الحكومي بالتساوي.
أما عندما وصل الأمر إلى محتكري الأدوية، اكتفى الوزير بالتصوير وإمضاء التعهدات وقيل أنه تم تحويل المحتكرين إلى مكتب الجرائم المالية الذي أخلى سبيلهم. لم توزع الأدوية دون مقابل كما حصل مع "المازوت".
بل بقت راضخة لاستنسابية المحتكر الذي لم يطاله إلا محاسبة كلامية على وسائل التواصل الإجتماعي كما لو أن الغاية لم تكن يوماً لصالح المواطن ولا لمحاربة الإحتكار بل "للتصوير" و"التشهير" بلا إجراءات مفيدة على الأرض وخير دليل على ذلك إخلاء سبيل إيلي شاوول صاحب مستودع "فارما غروب" ومسؤول القطاع الصحي في التيار الوطني الحر بعد "الإستماع إليه" و"الحاج عصام خليفة مضى تعهد" بالتراضي أما البقية "تضبضبت ملفاتهم".
قد لا يعكس ما أنشره عادةً عن وزير الصحة لحزب الله وملف الأدوية والصيدلة والاستشفاء في لبنان إلا القليل من وقائع الألم المغلّف باليأس والشعور بالظلم الذي أشعر به بشكل شخصي، إذ أنه أقل ما يمكنني قوله هو أن "إهمال حمد حسن الوظيفي وتقصيره وعدم التبصّر يقتل أمي".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News