التحري

الثلاثاء 14 كانون الأول 2021 - 14:16

وبات للكعك دكاترة: عندما تصنع السوشيل ميديا من المتنمّرين صناع محتوى... ما حدث مع العمّ هيثم الضناوي نموذجاً

placeholder

فتات عياد - التحري

"في لبنان، هناك من يشاركونني اليأس، بالكاد يستطيعون تأمين الجبن والكعك والغاز لتأمين قوت يومهم، وهناك من يتعامل مع وجبة الفقراء كأطباء تذوّق.... "شو دكتور أكل، ما صارت معي إيام الـ1500"... سألني ان كنت أسمح له التصوير، ولم يخطر ببالي أنه يُقيّم كعكة تسد جوع المحتاج بـ6000 ليرة في زمن الدولار الواحد بـ27 ألف ليرة!" بهذه الكلمات عبّر العمّ هيثم الضناوي لـ"التحري" عن استغرابه مما لم يستطع مواكبته من تطوّر غريب للإعلام، الذي بات رقمياً على شاكلة "تيك توك وانستا" ويجعل من المتنمرين أمثال دكتور الأطعمة جورج ديب، مؤثرين وصناع محتوى على هذا المستوى من القباحة.

لم يكن وجود أكثر من 43 ألف متابع، و130 منشوراً "وثّق" فيهم البلوغر الملقب بـ"دكتور فوود" والذي يعرّف عن نفسه كـ"افضل مستشار في مجال الطعام F&B".. تكفي لحمايته وهو الذي نصّب نفسه ناقداً لـ"اللقمة" في مطاعم لبنان، من السقوط هو نفسه في دائرة الانتقاد من قبل الرأي العام اللبناني، بعدما أهان بائع الكعك الطرابلسي هيثم الضناوي ووبّخه ساخراً من طعمة كعكته وكمية الجبنة فيها، واصفاً إياه بـ"البخيل"، غير آبه بالأذى المعنوي اللحظوي الذي سببه، وغير آبه كذلك بإمكانية تسببه بقطع رزقه.

وخارج كوكب "التيك توك" مدفوع المحتوى والذي يشرع الأبواب أمام الحماقة حيناً والقباحة حيناً آخر، وجد ديب ضالته في عز انهيار لبنان، تنمراً على غالبية من يقوم بتقييمهم، حتى وصل به الأمر للتطاول على لقمة فقراء الشمال. تاه عن الدكتور أن أفخم المطاعم وأشهرها فشلت بعدد كبير منها بالحفاظ على "اللقمة الطيبة" التي لطالما اشتهرت بها بلاد الأرز لغايات ربحية، فاستعاضت عن الجودة بالأرباح. وفي وقت باتت فيه الجبنة غير متوفرة في بيوت آلاف اللبنانيين، حيث يبدأ سعر أرخص "قالب" من الـ40 ألف ليرة وطلوع، فإن العم هيثم يبيع كعكة بالجبنة لا يتخطى سعرها الـ6 آلاف ليرة، ما يتيح لأهالي طرابلس، حتى الفقراء منهم، تذوق لقمة الكعك المحشوة بالجبن الشبه مُحرّم في أيامنا الحالية لغلاء سعره.

أما دكتور فوود الذي "نخر" متابعيه بمفردة الـ"concept". فيُساءل اليوم هو الذي يرى أنه "يستحوذ" على أضواء الشهرة في لبنان وفق تعبيره، يساءل عما إذا كان قد وضع تلك الكعكة ضمن الـ "كونسبت" أي في سياقها الذي صنعت به وبيعت به... "الحب" والاستمرارية.

عن "السياق" و"لقمة الفقير"

وبدأت القصة بفيديو نشره ديب عبر صفحته على إنستغرام، يتنمر فيه على العم هيثم ومذاق كعكته، ناعتاً إياه بالـ "بخيل"، وواصفاً الكعكة بأنها "ناشفة"، بطريقة استفزّت متابعيه قبل غيرهم، فوصفها بعضهم باللا أخلاقية والخالية من مشاعر الإنسانية، فهو أولاً وأخيراً يقصد بفيديوهاته إما حث المتابعين على شراء "اللقمة" محط النقد، أو الامتناع عن الشراء.

ودافع بائع الكعك عن كعكته بعبارة بسيطة قائلا "شوف غيري قدّيه بيحطلك فيها جبنة". ولطالما عُرّف الكريم على أنه هو الذي يعطي من القليل الذي يملكه، لكن هذا التعريف غاب عن "دكتور فوود" الذي ساوى في مقارنته بين محال تجارية لديها فروع وعلامات تجارية وتنتج ارباحا خيالية، وبين بائع لا قدرة له حتى على شراء عربة غير تلك التي "يسكّج" عليها ليمنح الناس لقمة كعك، ويؤمن لنفسه وعائلته "لقمة" يأكلها من هذا العمل الذي يبقيه منذ 24 عاما، واقفا على رجليه طيلة النهار، مشمسا الطقس كان او ممطرا، في ساحة النور، ينتظر شارياً لكعكته.

وحافظ العم هيثم على "لقمة الفقير"، وجعل كعكته محشوة بالجبنة على قدر إمكانياته وعلى قدر إمكانيات زبائنه، لكنّ دكتور فوود "غصّ" للفقراء بتلك اللقمة، ولم "يقس" الحالة التي ينتقدها ضمن "سياقها" الذي تتفرع منه. ولعلّ عدم وضعه لكعكة العم هيثم في ذلك السياق، هو أول خطوة "مجحفة" قام بها تجاه البائع.

فالناقد عادة ما يأخذ الظروف المحيطة جميعها بعين الاعتبار، طالما أنه ينطلق في تقييماته من "مقارنة" و"معايير". هذا إن أراد توخي الموضوعية والمنطق، أما إن أراد توخي الإنسانية، فهو بالطبع لن يتحدث بفوقية، لا مع العم هيثم، ولا مع غيره!

"فوود"... "موود"
ومن يشاهد بعضا من فيديوهات ديب، يستنتج مسرعا أن "فوقيته" في التحدث مع الآخرين هي "موود" أو بصمته الخاصة، وليست بالأمر المستجد. لا بل أنه بعد تنمره على العم هيثم، لم ير وسيلة للدفاع عن نفسه سوى بالتنمر على أحد الصحافيين الذين انتقدوه واصفا إياه بـ"الأصلع يللي بدي رنّو وحدة". وواصفا الصحافيين الذين انتقدوه بأنهم "إلن 20 سنة بالمهنة ما انشهروا جايين يشتهروا عضهري.. يحلو عني الصحافيين والبطيخ"، موجهاً يديه للكاميرا كأنه "يتصدى" لهم بيديه بأسلوب لا احترام فيه، حتى لمشاهديه!

ولم يرتدع ولم يعتذر واستمرّ ديب بتعجرفه. ليطرح سؤال لا بدّ منه: كيف خاف ديب من تأثير الصحافة عليه ولم يخف من تأثير حديثه عن كعكة العم هيثم، على باب رزق الأخير؟

ولا أخلاقيته في التعاطي، ولا إنسانيته في قياس الحالات التي ينتقدها -هذا إن كان فعلاً أهلاً للانتقاد واختصاصيا بما يدعي الإختصاص به- وحّدا الرأي العام بغالبيته ضده، بهدف جبر خاطر العم هيثم المكسور والوقوف عنده، فانهالوا إلى ساحة النور يريدون "تنفيعه" لا بل أن بعضهم حشد له المساعدات لتغيير عربته. فيما طرح البعض سؤالاً أبعد من ذلك بكثير، وهو: من يحاسب الإنفلونسرز أو "المؤثرين" على المحتوى الذي يقدمونه، عندما يؤذي الآخرين، وماذا عن خطر تأثيرهم السلبي، على المتابعين!

وقدّر هؤلاء سعي بائع الكعكة وراء رزقه بعرق الجبين، فعرفوا شعور "الامتنان" الذي ما عرفه ديب، الذي "لعيت" نفسه من الكعكة، وتسبب نشره لذلك الفيديو وأسلوب مخاطبته للعم بـ"لعيان نفس" الكثيرين، ليس خشية من طعمة الكعكة، بل اشمئزازاً من فوقية ديب!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة