التحري

الجمعة 11 شباط 2022 - 12:11

جوع "الرايتينغ": "أحمر بالخط العريض خربلي بيتي"... نبيل ذهب ليروي قصة نجاحه ككفيف فعاد بلا عائلة

placeholder

فتات عياد-التحري

لم يكن مهندس الصوت نبيل غدادي يعلم أن إطلالته في برنامج "أحمر بالخط العريض" عبر قناة الـLBCI ستقلب حياته رأساً على عقب، هو الذي لبّى دعوة فريق البرنامج "لإظهار أن المكفوفين قادرون على النجاح شأنهم شأن المبصرين"، ليقع وزوجاته الإثنتين، "ضحية البرنامج" وتصبح القصة، قصة "زوجتين لرجل واحد"، يجمعهما سقف واحد، وتفرقهما الغيرة على زوجهما، وهل من قصة أفضل في قاموس "لعبة الرايتينغ"؟

لكنّ ما يجذب الجماهير من مآسٍ إنسانية -أو ربما تظن غالبية البرامج الاجتماعية في لبنان أنه يجذبها- فرّق الزوج عن زوجاته، ليرفع غدادي الصّوت عبر موقع "التحري"، علّ الجماهير لا تقع هي الأخرى في وحول هذه اللعبة، إذ أنّ "مالك مكتبي خربلي بيتي"!.... و"الإعلام ليس جميعه نظيفاً... وليس جميعه مهنياً ولا أخلاقياً، وأنا دفعت ثمن هذا التردي الأخلاقيّ، وكان الثمن غالياً".


استدراج... فخداع... فسقطة أخلاقية!

ويروي غدادي كيف تم "استدراجه" وزوجاته لتصوير حلقة مع مالك مكتبي، حيث "تواصل معي فريق الإعداد وأخبروني أنهم يريدون تسليط الضوء على حالتي ككفيف ناجح في حياته المهنية، ولديه عائلة وحياة طبيعية"، وكإنسان "يعني لي إيصال هذه الرسالة كثيراً، تحفيزاً للمكفوفين، وتوعية للمجتمع الذي يميّز بين الكفيف وغير الكفيف، لبيّت النداء لأقول أننا لسنا عبئاً على المجتمع، ونحن كأي إنسان آخر، منا الناجحون ومنا الفاشلون، ومنا الأذكياء، ومنا الأغبياء، ولدينا عمل وعائلات وحياة طبيعية".

وهذا هو الشقّ الوحيد الذي قيل لغدادي أن البرنامج سيتناوله، ولم يتطرق أحد إلى قصة زوجتيه من بوابة "تعدد الزيجات"، لكن، ما حصل هو "نوع من استدراج غير بريء"، يؤكد غدادي، مضيفاً "يوم التصوير أدخلت زوجاتي للاستوديو الواحدة تلو الأخرى، حيث استفرد مكتبي بالحديث معهنّ، عن أمر لا صلة له البتة بموضوع الحلقة التي ذهبنا لتصويرها".

ويكمل "تم استدراج زوجاتي بالحديث وربما أُخِذنَ بهالة الكاميرا والضغوطات النفسية التي سببتها أسئلة مكتبي، الذي طرح عليهنّ أسئلة عن تعدد الزيجات وما قد تحملها من معاناة، فسقطن بالهوة من حيث لا يدرين، وما عاد من بعد تلك الهوة خط للرجعة".

الكاميرا.. والسقطة

واللافت في تلك الحلقة، أنها تدور في فلك تعدد الزيجات، لا بل أن عنوانها هو "اثنان.... تلاتة... أربعة"، ولا علاقة لها البتة لوضع غدادي ككفيف ناجح في حياته، لا من قريب ولا من بعيد، فيها. لا بل أن إطلالاته في الحلقة لم تتجاوز البضع دقائق، حيث عامله فيها مكتبي بسطحية مفرطة، سائلاً أياه إن كان يستطيع معرفة أي من زوجاته تجلس يمينه، وأي منهنّ تجلس شماله.

أسوأ من ذلك، أن مكتبي قال له، أنه "من الصعب أن تسكن في قلبك امرأة واحدة"، وهو أحرجه، بعد أن أحرج زوجتيه قبله، وأدخلهما في أحاديث جارحة لكليهما، فحواها الغيرة وأحقية الزوجة بزوجها ومعاناة الزوجة في تعدد الزيجات.... وغيرها من الأسئلة التي ربما لم تصطدم زوجات غدادي بها من قبل، ولم تبح أي منهن للأخرى بمشاعر سلبية تحويها ضدها. وهذه المشاعر إن ظهرت أمام الكاميرا والجماهير -وهي قد تكون عرضية، من باب الدفاع عن النفس ضد أسئلة مكتبي "العلنية"- لكنها غيّرت في مسار علاقة الزوجتين بعضهما ببعض، وجعلتها علاقة "غير ودية"، لا بل "من المستحيل ترميمها" وفق ما يقول غدادي.


مسؤولية أخلاقية

"وصلولي صوتي فشولي خلقي... مالك مكتبي خربلي بيتي وأنا وزوجاتي رح ننفصل..". يقول غدادي، إذ أنّ كلاً منا اليوم سيذهب في حال سبيله، وما حصل هو سقطة كبيرة بحقنا، وليس هذا موضوع الحلقة الذي ذهبنا لأجله، لقد تمّ خداعنا!

ويدرك غدادي أنه "قانونياً ما إلنا عليه شي لمالك مكتبي"، إذ أّنّ البرنامج يحمي نفسه عبر "ورقة وقعناها لهم نتحمل فيها مسؤولية تصويرنا الحلقة"، لكنه في المقابل يسأل "من منطلق أخلاقي"، ويحمّل مكتبي -أخلاقياً- مسؤولية خراب عائلته. إذ "لو عنده حسٌّ أخلاقي لا يدخل زوجاتي في أسئلة مدمرة لعلاقتهنّ ببعضهنّ، خصوصاً وأنه ليس هذا المضمون الذي اتفقنا على مناقشته"، متأسفاً من "الصحافة الصفراء والمعالجة الهابطة".

وكإعلامي ومهندس صوت لثلاثين عاماً، يأسف غدادي لخداعه "بهذا الرخص بالتعامل"، فقد "تم إخفاء ما تقوله زوجاتي لمالك مكتبي عنّي وكنت في غرفة منفصلة عنهنّ تماماً ولو سمعتهنّ لأوقفت التصوير في لحظتها".

وغدادي ابن عرسال، وهي منطقة "محافظة"، ما يزيد الضغوطات الاجتماعية بحق عائلته، لكن مشكلته الأساسية اليوم أنه "لا خط للرجعة بين ضّرتين وقع بينهما جرح غائر، وهو أشبه بتدمير كامل للعلاقة الودية بينهما، ولمركب أسرتنا، ما يجعل الفراق بيننا أمراً محتماً".

ويرفع غدادي الصوت "من قلب مجروح" فخربان البيوت "منو شي سهل"، لوالد لولدين من زوجتين كانتا تسكنان تحت سقف واحد بسلام قبل أن تستدرجا للعبة الرايتينغ.

وكذلك، يرفع الصوت "ليعرف المشاهد أن ليس كل ما يراه ناتج عن أخلاقيات مهنية، فالإعلام ليس بريئاً دائماً والإعلاميون بعضهم لا يعمل بأخلاقيات إنسانية وكما خربوا بيتي، ربما خربوا مئات البيوت، فقط لحصد المشاهدات، على مآسي العائلات ومعاناتها".

"اللي صار كتير كبير بحقنا كعائلة... تخدروا زوجاتي أمام الكاميرا، حكيوا عن عدم وعي يمكن"، لكنه يلوم أيضاً أخلاقيات المهني، سائلاً "أين الحس المهني لمقدم البرنامج؟، مضيفاً "كلام ممكن يخرب بيت كيف بيتم بثه على الهواء؟"، ويتابع "قانونياً مالك حامي نفسه، بس أخلاقياً الحق عليه بخربان بيتي.
أسوأ من ذلك، وبعد تواصله مع فريق العمل ليعبّر عن استيائه من "الخديعة" التي تعرض لها، "أجابوني بأنه أردنا إظهار أن للكفيف حياة عائلة طبيعية"، و"استمروا بأكذوبتهم التي لا تنطلي على أي مشاهد شاهد الحلقة"، يقول غدادي.

من جهة أخرى، فإن هشاشة العائلات ذات تعدد الزوجات، أو صراع الزوجات ومعاناتهنّ في غالبية الزيجات، كان يمكن لمكتبي تسليط الضوء عليها، دون خداع ضيوفه، والبحث عن ضيوف "يعرفون" ماذا ينتظرهم في الحلقة، وجاهزون نفسياً للحديث عنه، ومستعدون لإظهاره أمام الكاميرا، عوض أن تتم مواجهتهم بعامل -المفاجأة- ويتم تضليلهم عبر استدراجهم تحت عنوان حلقة، مضمونها لا يرتبط لا من قريب ولا من بعيد عمّا ينتظرهم أمام الشاشة، حيث يتجرد الناس من خباياهم، وتسهل مواجهتهم، ويصعب محو "اعترافاتهم" ويُجبرون بعد ذلك على التعامل معها وحدهم، عندما تغيب عنهم عدسة الكاميرا!

وما جرى مع غدادي، يفقد البرنامج مصداقيته مع ضيوفه، فكم من ضيف قيل له عن موضوع حلقة، ثم تمت مواجهته بموضوع آخر؟ فهل يعتمد "اصطياد" الضيوف في البرنامج كآلية لاستدراجهم وإخراج ما لا يريدون إخراجه للعلن؟ خطيرة هي لعبة الرايتينغ، عندما تصبح الهدف الأوحد!

وغدادي رفع الصوت، لكن كم من عائلة تأذّت باسم الرايتينغ في لبنان؟ وهل أرقام المشاهدة لا تتحرك إلا "بخربان البيوت"؟ وماذا عن أرقام الظلم التي تسجل بحق برامج لا يهمها سوى حصد المشاهدات ولو حوّرت الحقائق؟ ولو صنعت إشكالات بين الناس؟ ولو دمرت علاقات لتصنع "دراما"؟ ثم من قال أن "هذا ما يريده المشاهدون"؟ ومن قال أن الضمير الأخلاقي يسمح بانتهاك خصوصيات الناس رغماً عنها؟

"أحمر بالخط العريض" هي حياة الناس وخصوصياتها، وانتهاكها جرم أخلاقي قبل أن يكون قانونياً. فهل يدري مكتبي هذا؟ وهل يدري فريق عمله؟ وإن لم يكن يدري فمصيبة، وإن كان يدري فالمصيبة أكبر، والأذى واقع لا محالة!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة