جلب الغزو الروسي "غير المحسوب" لأوكرانيا مشاكل عديدة لموسكو التي باتت تواجه "مشكلة داخلية حقيقية" إضافة لمعاناتها في الخارج من جراء العقوبات والعزلة الدولية التي فرضت عليها، وفقا لمحللين.
ويبدو أن روسيا لم تعد قادرة على إخفاء ما يجري في الداخل، حيث وجه الكرملين، الجمعة، دعوة للروس للوقوف خلف الرئيس فلاديمير بوتين، بعد أكثر من أسبوع على بدء غزو أوكرانيا.
وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين "ليس الآن وقت الانقسام"، وذلك ردا على سؤال بشأن مناشدات أطلقتها شخصيات عامة لإنهاء الحرب. وأضاف "الآن وقت الوقوف صفا واحدا، الوقوف صفا واحدا خلف رئيسنا".
ومؤخرا نشرت عرائض عدة لمواطنين ضد الحرب بما في ذلك بيانات خاصة وقعتها شخصيات ثقافية وعلماء في مجال الطب.
وتأتي هذه الدعوات مع استمرار الاحتجاجات المناهضة للحرب في عدة مدن روسية والتي أسفرت لغاية اليوم عن اعتقال نحو ثمانية آلاف ممن شاركوا فيها.
بمقابل ذلك، شددت السلطات الروسية القيود المحلية في أعقاب غزو أوكرانيا بما في ذلك إغلاق وسائل الإعلام المستقلة وحجب مواقع إلكترونية وتبني تعديلات تشريعية لفرض أحكام بالسجن على الذين يدانون بنشر "معلومات كاذبة" عن الجيش.
يقول نائب رئيس المجلس الأميركي للسياسة الخارجية إيلان بيرمان إن "من الواضح جدا أن هذا الصراع هو إلى حد كبير حرب فلاديمير بوتين" وليس روسيا بأكملها.
ويضيف بيرمان، وهو خبير في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وروسيا الاتحادية، أن "الجمهور الروسي لم يكن مستعدا للهجوم واسع النطاق الذي نشهده الآن".
ويتابع أنه "ونتيجة لذلك، كان هناك قدر هائل من ردات الفعل السلبية من عامة الشعب الروسي، سواء على شكل احتجاجات أو هجرة خارج البلد وما إلى ذلك".
بالمقابل، يشير بيرمان إلى أن الحكومة الروسية ردت على كل ذلك "بقسوة من خلال قمع نشاط المعارضة وفرض رقابة على المصادر الإعلامية شبه المستقلة".
وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى رد فعل عنيف من بعض المليارديرات الروس، الذين يشعر معظمهم بثقل العقوبات التي يفرضها الغرب على الاقتصاد الروسي.
وقال الممول الأوكراني المولد ميخائيل فريدمان، أحد أغنى الرجال في روسيا، الأحد، للموظفين في شركته للأسهم الخاصة LetterOne إن "الحرب لا يمكن أن تكون الحل أبدا" ودعا إلى إنهاء "إراقة الدماء".
وتظهر هذه الردود الداخلية القوية تجاه غزو بوتين لأوكرانيا أن الرئيس الروسي البالغ من العمر 69 عاما والذي قاد روسيا منذ عام 1999، لا يواجه الأوكرانيين فقط وإنما يواجه أبناء شعبه الذين "سأموا من العيش في أجواء الحروب".
ويشير الخبير في مجلس العلاقات الخارجية جون بيلينغر لموقع "يو إس أيه نيوز" إن بوتين قد يفقد سريعا "دعم الشعب الروسي في حال قُتل العديد من الجنود الشبان الروس في أوكرانيا وانهيار الاقتصاد الروسي".
ولا تزال تفاصيل الخسائر الروسية في الحرب على أوكرانيا غير واضحة حتى الآن. وقالت وزارة الدفاع الروسية يوم الأربعاء إن 498 من جنودها قتلوا، بينما تؤكد القوات المسلحة الأوكرانية أن خسائر موسكو بلغت عشرة أضعاف هذا العدد.
على الجانب الآخر تؤكد استطلاعات الرأي فكرة أن العديد من الروس يعانون من توتر الحرب والخسائر التي ستلوح في الأفق.
وتُظهر النتائج التي توصل إليها مركز ليفادا، وهي منظمة استطلاع روسية مستقلة غير حكومية، في يناير، أن المخاوف الأكثر شيوعا لدى الروس تتعلق باندلاع "حرب عالمية" و "إساءة استخدام السلطة من قبل المسؤولين.
وإلى جانب ذلك تسببت العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو في أزمة اقتصادية حقيقية داخل روسيا، إذ انخفضت قيمة الروبل بما يقرب من 30 في المئة مقابل الدولار وارتفعت أسعار الفائدة في البلاد لنحو 20 في المئة.
وإضافة لذلك قررت شركات غربية عملاقة مثل "BP" و "Shell" النأي بنفسها عن الاستثمارات الروسية التي تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.
كل هذه القضايا مجتمعة "تشير إلى أن الحكومة الروسية لديها الآن، ربما للمرة الأولى، مشكلة داخلية حقيقية"، وفقا لبيرمان.
ويبين بيرمان "مع ذلك، فإن تزايد هذه المشكلة سيعتمد على المسار الذي ستتخذه الحرب، وكذلك على مدى وحشية الكرملين في تطبيق وجهة نظره".
ويختتم بالقول "من الواضح ونتيجة لهذا الصراع، فإن بوتين فقد بشكل أساسي ثقة ليس فقط المجتمع الدولي، ولكن ثقة الشعب الروسي أيضا".
ويعتقد البنتاغون أن الغزو الروسي، باستخدام قوة تزيد عن 150 ألف جندي ودروع ثقيلة وقذائف صاروخية وجوية، لم يتقدم بالسرعة التي كان مأمولا بها منذ أن بدأ الأسبوع الماضي.
وفي اليوم العاشر للغزو الروسي على أوكرانيا، فشلت قوات موسكو في السيطرة على العاصمة كييف والمدن الكبرى باستثناء مدينة خيرسون الجنوبية، التي تواجه فيها القوات الروسية بعض المقاومة.
وتقول زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن لسيسات الشرق الأدنى آنا بورشفسكايا إن "غزو أوكرانيا أدى لنتائج عكسية على بوتين وتسبب في الكثير من الاحتجاجات المحلية".
وتضيف بورشفسكايا في حديث لموقع "الحرة" أن "بوتين أخطأ في تقديراته الأولية للغزو، واعتقد أنه سيحقق نصرا سريعا وسهلا مثلما فعل عندما قام بضم شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني في عام 2014، وهو ما عزز شعبيته كثيرا في داخل البلاد".
تؤكد بورشفسكايا أن "معدلات شعبية بوتين لم تتأثر كثيرا لغاية الآن، لكن الناس يعانون حاليا من انهيار في قيمة الروبل وهناك العديد من المحتجين ضد الحرب".
وتشير إلى أن "بوتين أغلق أيضا آخر وسائل الإعلام المستقلة المتبقية، وهو يحاول كذلك تعزيز قبضته على السلطة" في البلاد.
لكن المحلل السياسي الروسي فيتشيسلاف موتازوف يقلل من شأن الحديث عن وجود انقسام داخل بلاده، ويؤكد أن قرار الحرب ضد أوكرانيا "اتخذ من قبل جميع الجهات، وهناك اتفاق تام بشأنه من قبل الرئيس والحكومة ومجلس الدوما واتحاد الشيوخ".
ويضيف موتازوف لموقع "الحرة" أنه "حتى المعارضة البرلمانية في روسيا متضامنة مع قرارات الرئيس" فيما يتعلق بالحرب ضد أوكرانيا.
ويرى موتازوف أن "بوتين وعلى عكس ما يشاع أصبح أكثر قوة من السابق، لأن الشعب الروسي يقف خلف قياداته في اللحظات الحاسمة وعندما يكون هناك خطر خارجي كما يحصل بالضبط في أوكرانيا عندما توحد الشعب خلال الحرب مع روسيا".
"هذه تقاليد سوفياتية سابقة.. أثناء الخطر الخارجي الشعب يتوحد ولا يجادل قرارات الرئيس"، وفقا لموتازوف.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News