التحري

الأربعاء 16 آذار 2022 - 12:04

نساء لبنان الحوامل يعانين "نقص الدم الحاد": محرومات من اللحوم والمعاينة الطبية!

placeholder

خاص التحري-فتات عياد

حتى الجنين في رحم أمه، تخشى عليه أمه في لبنان! إذ بعد انهيار اقتصادي ضرب البلاد واستحكم بالعباد، باتت الصحة الانجابية مهددة في بلاد الأرز، بعدما بات الحمل يضفي "أعباء" مادية ومعنوية مستجدة على المرأة اللبنانية، ما يهدد صحتها وصحة جنينها في آن. في السياق، يكشف الطبيب النسائي شارل صقر لموقع التحري عن "دراسة قمنا بها كأطباء مستشفى أبو جودة، وهي في طريقها للنشر قريباً، وتكمن أهميتها برصد ارتفاع ملحوظ في نسبة النساء الحوامل المصابات بنقص الدم الحاد في لبنان".

وحقوق الصحة الإنجابية تقع ضمن خانة "حقوق الإنسان" وهي متجذرة في معاهدات حقوق الإنسان الملزمة، والفقه القانوني والوثائق الختامية المتفق عليها في المؤتمرات الدولية. وفي حين أن عمليات الإغلاق بسبب انتشار فيروس كورونا أعاقت وصول ملايين النساء والأمهات إلى الخدمات الاستشفائية الأساسية حول العالم، فإن الحوامل في لبنان يعانين الأمرّين على مستويات عدة: تبدأ برواتبهنّ المنخفضة التي قد لا تكفي لمصاريف المعاينة الشهرية لدى الطبيب النسائي، ولا تنتهي بتأمين الغذاء المغذّي لأجسامهنّ طيلة فترة الحمل...

تراجع حالات الحمل في لبنان

وللوقوف أكثر عند انعكاس الأزمة الاقتصادية على الإنجاب، يقول الطبيب النسائي، دكتور شارل صقر، في حديثه للتحري أن "عدد النساء الحوامل تقلّص في لبنان لسببين اثنين". والسبب الأول هو "انخفاض عدد الزيجات الحديثة من جهة جراء صعوبة الشروع بتكاليف الارتباط، والسبب الثاني هو قرار التريث بالإنجاب أو العزوف عنه من قبل آلاف المتزوجين على وقع الأزمة المعيشية والخوف من تداعياتها في المستقبل".

أما على صعيد المعاينة الطبية "فالعائلات التي تتقاضى أجورها بالدولار أو يرسل لها ذووها أموالاً فريش من الخارج، لم يطرأ على قدرتها النقدية شيء، وبالتالي هؤلاء النساء تدفعن ثمن الكشوفات الشهرية دون أي صعوبة أو تعقيد".

لكنّ الأمر مغاير بالنسبة لمن يتقاضون أجورهم بالليرة، وهم الغالبية الساحقة من اللبنانيين. في السياق، يشير صقر إلى أنّ "موظفي الدولة والشركات الخاصة وأساتذة المدارس... تأثروا كثيراً بتدني القدرة الشرائية لرواتبهم، وتراجعت قدرتهم على الدفع لقاء المعاينة الشهرية، فلجوؤا لتقليص عدد الزيارات".
من هنا "قمنا في عيادتنا بتشجيع الحوامل ووضع سعر خاص لهنّ لتشجيعنّ، في محاولة للحفاظ على صحة الحامل وجنينها في آن".

تقليص عدد المعاينات خلال الحمل... خطر على صحة النساء

وقلّصت الحوامل زياراتهنّ للعيادة النسائية، وبعضهنّ "تزرن الطبيب مرة كل شهرين"، فتتجاوزن صوراً صوتية ضرورية خاصة في الشهر الثالث والخامس، وهو أمر غير صحي".
وفيما يعتبر البعض بأن الأطباء في لبنان "بيزيدوها"، يشدد صقر على أنّ "ضرب المثل بإجراء صورتين خلال الحمل في كندا مثلاً، لا يبرر هكذا نظرية، فهذا الرقم هو الأدنى المقبول، لكنه بالطبع ليس الأفضل". وهو ليس "المستوى الذي كان يتميز به لبنان لناحية رفاهية الصحة الانجابية والدقة الطبية في مراقبة صحة المرأة وجنينها".

وعن خطورة تقليص المعاينات والصور الصوتية، يلفت صقر إلى أن الخطورة "تكمن في أشهر الحمل الأخيرة، أي الشهر السابع، الشهر الثامن وكذلك التاسع". إذ في حال تأخرت الحامل في زيارتها للطبيب، يمكن أن "تخف كمية المياه المحيطة بالجنين أو ما يعرف بـ"السائل الأمنيوسي"، فلا نتمكنّ من رصدها وتشكل خطراً على الجنين، أو يمكن أن تكون هناك مشكلة في ضخ الدم لجسده فلا ينمو بطريقة جيدة، وكذلك نكون على عدم دراية بالأمر".
وتكمن الخطورة في هذه الأشهر أيضا بأننا "نأخذ ضغط الحامل ونراقب ما إذا كان جسدها يعبئ المياه، وعدم فحصنا لها، قد يعني عدم معالجة أية مستجدات لم تكن بالحسبان، ما يؤثر عليها أو على جنينها أو عليهما معاً في آن".

الأدوية: تعويض بالصناعة المحلية

وعن شح الأدوية خلال فترة الحمل، يشير صقر إلى أنّ غياب بعض الأدوية يشكل خطرا على الحامل أكثر من غيرها، لا سيما مريضات الصرع والكلى والقلب. لافتاً في الوقت نفسه إلى أن "هذه الحالات قليلة لأن غالبية الحوامل هنّ بعمر الشباب حيث نسبة الإصابات بعدد كبير من الأمراض، أقلّ لدى الأعمار الشابة".

وعن الحديد كعنصر ضروري للحوامل، يوضح أننا "كأطباء نساعدهنّ عبر وصف حديد مصنّع في لبنان، بسعر مقبول وهو حوالي (120 الف ليرة) فيما الحديد المستورد هو حدود 400 الف ليرة. أما المتممات الغذائية، "فإذا اضطررنا لوصفها، نشجع أيضا على تلك الوطنية، حيث سعرها حوالي 200 الف ليرة بينما سعر المستوردة حوالي 500 ألف.

هذا ويكشف صقر عن "دراسة أجريناها مؤخراً، كأطباء مستشفى أبو جودة، وسوف ننشرها مفصلة في وقت لاحق، أن فقر الدم الحاد أو severe anemia قد ارتفعت نسبته بين الحوامل في لبنان بشكل كبير، عازياً ذلك إلى عاملين اثنين: والعامل الأول هو أنّ بعض الحوامل لا يصلن للحديد لأن المستورد مرتفع الكلفة، ومن هنا دورنا في لفت نظرهنّ للحديد المحلي الصنع، فيما العامل الثاني هو ارتفاع كلفة اللحم الأحمر، فيما يجب على الحامل أن تأكل اللحم مرتين أسبوعياً، مرة كلحم مطهي، ومرة كقطعة لحم كاملة مشوية، فيما للأسف نساؤنا غالبيتهنّ ما عدن يأكلن اللحم إلا مرة بالشهر جراء غلاء اللحوم وتدهور القدرة الشرائية.

مسار "الخوف" حتى عند الولادة

هذا ونسأل صقر عن تأثر الأطباء أنفسهم بتراجع القدرة الشرائية لمرضاهم من الحوامل، ليقول "الخسارة واردة، سيما اذا لم يكن هناك "إجر" على العيادة، فارتفاع المازوت واشتراك المولد ومصروف المحارم وأدوية التعقيم المستوردة... كلها نفقات ندفع بقيمة عالية، وعدم وجود حركة بالتالي لدى طبيب نسائي من جهة، ومحاولة مراعاتنا لمرضانا وظروفهن من جهة أخرى، كلها أسباب قلصت من أرباحنا بشكل كبير.

من جهة أخرى، يرى صقر أن "السلامة العامة في المستشفيات لا نقص فيها حتى الآن للحوامل. أما بالنسبة للأسعار والدفع فهناك مشكلة لناحية الجهات الضامنة، فوزارة الصحة والضمان يعترفون بدولار يساوي 1500 ليرة، بينما الجهات الضامنة كلّ له معاييره، بينما المعدات والمستلزمات كلها بدولار السوق السوداء"، فيما "الحل يكمن بأن نتساعد كأطباء ومستشفيات ومرضى".
في المقابل، يشدد صقر على أهمية "التكافل الاجتماعي في هذه الظروف القاهرة"، داعياً "الميسورين للدفع في المستشفيات بأريحية، في محاولة لمساعدة أولئك المتعثرين".

وفي وقت لا ينكر فيه أنّ "الحوامل المصابات بفيروس كورونا يعانين لدى ولادتهنّ من التوجه حصرا لمستشفى بيروت الحكومي، لكن أقله هناك جناح في المستشفى مجهز لهنّ، والأمور مبدئياَ تحت السيطرة".


ريم ومعاناة البحث عن "مثبّت الحمل"

بدورها، تصف ريم، وهي وضعت ابنتها منذ شهر، تصف كيف كانت تقلص عدد زياراتها للطبيبة النسائية "إذ كنت أذهب كل شهرين، لأنه لا قدرة لديّ على الدفع شهرياً".
أما عن شحّ الأدوية خلال فترة الحمل، فتصف معاناتها في البحث عن الدواء المثبت للحمل إذ "لم أكن أجده مطلقاً في الصيدليات رغم عناء البحث، وكنت أستعيض عن ذلك بأخذ حبة من رفيقتي فلانة، أو جارتي علّانة، كلما تكرّمت عليّ إحداهنّ، بحبة دواء!".

أما عن الغذاء خلال فترة الحمل، فتقول ريم "العين بتستحلي كتير، بس الجيبة مش طايلة"، مضيفة "الحمدلله ع كل شي".
وفي وقت كانت فيه لا تأكل اللحوم إلا "بالشهر مرّة"، كانت ريم تزور مستشفيات صيدا جميعها، بعد أن سمعت عن إمكانية عدم توفر البنج للحوامل خلال عملياتهنّ القيصرية، ما رفع منسوب القلق لديها.

"خاطرتُ بحياتي"... رحلة الولادة والألم

أخيراً "خاطرت" ريم بحياتها وأجرت عملية الولادة في مستشفى "حكومي" سبق أن "قالوا لي في حملي السابق أن ما ينزل مني كان إفرازات بينما اكتشفنا في مستشفى آخر أن مياه الرأس هي التي كانت تنزل، أي أنهم كادوا يقتلون ابني سابقاً"، لكنني وبسبب الجهة الضامنة "اضطررت لتوليد ابنتي في المستشفى نفسه".
ولم يكن هناك تلصيق للجروح هذه المرة، بل وضعوا ضمادات عادية على جرحي، فأمنت عائلتي تلصيق جروح لي كي لا يلتهب جرحي"، تقول ريم، "ولم يكن هناك حتى مياه للشرب أو أي شيء دافئ أشربه بعد الولادة، ولم يقدم لي الطعام حتى اليوم الثاني، وكانت كاسة جلو وكانت الحجة أنه لا يجب أن أتناول الطعام فوراً". وفي حين أن هناك إبرة "أمنتها عائلتي من خارج المستشفى"، تحمد ريم ربها أن "المسكنات كانت متوفرة أقله!".

اليوم، تفتح ريم صفحة جديدة مع القلق، "من سعر الحفاضات إلى سعر علبة الحليب لابنتي إن وجدت، إلى سعر دواء المغص لها"، إلى "مصروف المولد بسبب توفير مياه ساخنة لرضيعتي 24/24".

وريم المصابة بـ"اكتئاب ما بعد الولادة في لبنان"، لا تعير اكتئابها أهمية. في المقابل، تسأل عن مستقبل أولادها في بلد، خافت عليهم وهم في رحمها، قبل أن تضعهم فيه. وخوف الأم على مستقبل أولادها في حضن وطنهم الأم، لهو ألم يفوق ألم الولادة بكثير...

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة