سلامة يهاجم القضاء الفرنسي ويتّهم القاضية بوريسي بالتشنّج والكيل بمكيالين
ما إدّعاه القاضي أبو سمرا عن صعوبة التبليغ لم ينطلِ على القاضية الفرنسية
مدقّقو حسابات البنك المركزي متّهمون بالتقصير... وأسئلة كثيرة عن تواطئهم؟
حساب عمولات شركة "فوري" كان سرياً ولم يسمح سلامة للمدقّقين بالإقتراب منه
حسم القضاء الفرنسي قراره حيال مسألة ادّعاء القضاء اللبناني فشله في تبليغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حضوره وفق الأصول إلى جلسة الإستماع التي كانت مقررة أمس أمام القاضية أود بوريسي. إذ أصدرت بعد ظهر أمس كما أعلنت وكالة الصحافة الفرنسية، القاضية المكلفة التحقيق في أموال وممتلكات سلامة في أوروبا مذكرة توقيف دولية بحقه، بعد تغيّبه عن جلسة استجوابه أمامها في باريس. "وعلى القضاء اللبناني تنفيذ مذكرة التوقيف، فالقضاء أمام اختبار حقيقي... وإلّا فإن المولجين بالعدالة يعرقلون سيرها" كما قال محامٍ دولي.
وفي بداية نيسان الماضي استدعت القاضية سلامة للمثول أمامها في 16 أيار في جلسة كان يُرجّح أن يوجّه خلالها الاتّهام إليه. وقال محاميه لوكالة فرانس برس إن تغّيب سلامة يعود إلى عدم تبليغه بوجوب المثول أمام القضاء الفرنسي وفق الأصول.
بيان "الحاكم"
وفور انتشار الخبر أمس أصدر سلامة بياناً جاء فيه:
1 - صدر اليوم عن حضرة قاضية التحقيق الفرنسية قراراً يشكّل بامتياز خرقاً لأبسط القوانين، كون حضرة القاضية لم تراعِ المهل القانونية المنصوص عليها في القانون الفرنسي رغم تبلّغها وتيقّنها من ذلك، وبالتالي سأعمد إلى الطعن بهذا القرار الذي يشكّل مخالفة واضحة للقوانين.
2 - في تجاهلها الصارخ للقانون، تجاهلت أيضاً حضرة القاضية نفسها تطبيق إتفاقية الأمم المتحدة لعام 2003 والإجراءات المعترف بها دولياً التي تستند إليها هي بالذات في إطار المساعدة القضائية الدولية. فهل يعقل أنّ قاضياً يطبّق الإتفاقيات الدولية باتجاه واحد؟
3 - يقتضي التذكير، بأنّ التحقيق الفرنسي ضرب صفحاً عن مبدأ جوهري يتعلّق بسرّية التحقيقات، كونه أصبح واضحاً من المقالات الصحفية، وخاصةً المقالات الصحفية الصادرة مؤخّراً، ومنها تلك التي نشرتها رويترز بتاريخ 21/ 04/ 2023، أنّ الوكالات الصحفية تحصل دون قيد على وثائق التحقيق السرّية كما تأخذ علماً مسبقاً بنوايا المحقّقين والقضاة.
4 - أصبح واضحاً من جميع الأحداث التي أرفقت بالتحقيقات الفرنسية أنّها تعاكس مبدأ قرينة البراءة في تعاملها، وفي تطبيقها الإنتقائي للنصوص والقوانين. فبات جلياً أنّ حضرة القاضية الفرنسية أخذت قرارها بناءً على أفكار مسبقة من دون إعطاء أي قيمة للمستندات الواضحة المبرزة لها، وهذا ما يتّضح أيضاً بتشنّجها الذي وصل مؤخّراً إلى حدّ عدم التقيّد بالأصول المفروضة في القوانين الفرنسية وفي المعاهدات الدولية.
5 - مثال آخر على ما سبق، تدخّل حضرة القاضيةِ الفرنسية في عملية تعيين محامين فرنسيين عن الدولة اللبنانية، وهذا الأمر قد نشر في العديد من الصحف اللبنانية، الأمر الذي أدّى إلى إرجاء جلسة الإستئناف المقدّم منّي في آخر لحظة.
6 - أخيراً وليس آخراً، في حين أنّ التحقيق في فرنسا الذي تسبّبته الشكاوى الممنهجة المقدّمة من قبل خصومي يسير بوتيرة متسارعة، فإنّ الدعوى التي تقدّمت بها أمام القضاء الفرنسي بشأن ملف كريستل كري ديت (والذي هو ملف لا أساس له) ظلّت راكدة ولم يحرّك القضاء ساكناً لثلاث سنوات رغم بذلِنا العناية الواجبة.
وختم قائلاً: هذه هي العدالة المبنية على الكيل بمكيالين التي تطبّق عليّ !".
إدّعاء عدم التبليغ
وكانت أعلنت صحيفة "ذا ناشيونال" في تقرير نشرته استناداً الى مصدر قضائي أنّ سلامة أخفق في الردّ على استدعاء أرسله القضاء اللبناني لجلسة استماع في فرنسا يوم أمس الثلثاء.
وكان حاول قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا إخطار سلامة بجلسته في ثلاث مناسبات منفصلة، لكن لم يتم تحديد مكان الحاكم أو من ينوب عنه، وأعيدت جميع رسائل الإخطار إلى القضاء اللبناني.
وكانت ذكرت وكالة "رويترز" في وقت سابق أن القضاء الفرنسي يعتزم توجيه اتهامات أولية ضد سلامة بتهمة الاحتيال وغسل الأموال. وقال المصدر إن أبو سمرا أبلغ القاضي الفرنسي الذي يقود القضية، يوم الاثنين بأنه لا يمكن الوصول إلى الحاكم.
وقال المصدر "الأمر متروك الآن للقضاء الفرنسي لاتخاذ الإجراءات اللازمة في ضوء هذا التطور".
وقال نائب المدعي المالي الفرنسي أنطوان يوكتور مونروزير إنه من المستحيل حالياً التوصل إلى أي استنتاجات بشأن ما إذا كان عدم تسليم الاستدعاء سيؤخر جلسة الاستماع.
وقال لصحيفة The National عبر البريد الإلكتروني: "إذا لم يظهر سلامة، فسيكون الأمر متروكاً لقاضي التحقيق لتقييم العواقب التي سيتمّ استخلاصها".
وقالت مصادر إن "مفاوضات مكثّفة جرت خلال الأسابيع القليلة الماضية بين الحاكم والقضاء الفرنسي حول حضور سلامة والاتفاق المحتمل مع القضاء. ولم يتضح سبب عدم تسليم الاستدعاء إلى سلامة أو ممثليه في هذه المناسبات.
وإذا لم يحضر، تشرع فرنسا في عملية إصدار مذكرة توقيف دولية وتطلب من الإنتربول إصدار نشرة حمراء، والتي ستكون بمثابة دعوة عالمية لوكالات إنفاذ القانون لتحديد مكانه واحتجازه مؤقتاً.
فشل ذريع للمدقّقين
وورد في المقال أيضاً أنه مع استمرار التحقيقات في سوء السلوك المزعوم في مصرف لبنان، تبرز أسئلة بخصوص فشل المدققين المحليين والدوليين في دق جرس الإنذار بشأن الاحتيال المالي المحتمل.
وتتهم ست دول أوروبية على الأقل سلامة بتدبير مخطط اختلاس، يتألف من دفع البنوك التجارية عمولات لشركة شقيقه، Forry Associated Ltd، من دون علمها، في كل مرة تشتري فيها أدوات من البنك المركزي. كلا الأخوين نفيا ارتكاب أي مخالفة.
لأكثر من عقد من الزمان، ذهب مخطط الاختلاس من دون أن يلاحظه أحد من قبل شركتي Deloitte و Young& Ernst، اللتين قدمتا موافقات على البيانات المالية للبنك المركزي من دون رفع أي علامات حمراء حول المخالفات المحتملة في حساب "المقاصة" في مصرف لبنان حيث أودعت عمولات "فوري".
إنهيار بلد
وفي الآونة الأخيرة، واجه سلامة أيضاً مزاعم بتزوير بيانات مصرفية قدّمها إلى القضاء للمحاسبة على ثروته، بينما تمت مراجعة حساباته الشخصية في مصرف لبنان وإعطاؤها الضوء الأخضر من قبل شركة تدقيق عالمية، جاء ذلك بعد الفضائح المحاسبية التي تورّطت فيها. وكانت شركات المحاسبة الأربع الكبرى تورّطت بفضائح محاسبية ألقت بظلال من الشك على قدرتها على التمسك بمعايير الجودة والحفاظ على استقلاليتها.
وتابعت المقالة في لبنان، لم تنهر شركة واحدة أو مصرف واحد، بل النظام المالي بأكمله انهار من دون سابق إنذار من شركات التدقيق. كشفت الأزمة عن خسائر تقدر بنحو 70 مليار دولار، ما أدى إلى القضاء على مدّخرات المودعين وإطلاق دوامة تضخمية غير خاضعة للسيطرة، والتي أغرقت أكثر من 80 في المئة من السكان في براثن الفقر.
إستجواب المدقّقين
وتم استجواب ممثلين من شركات Young& Ernst / و Deloitte / و BDO و Semaan و Gholam & Co كشهود من قبل المدعين الأوروبيين في لبنان الأسبوع الماضي كجزء من تحقيقهم في فضيحة الاختلاس التي قام بها مصرف لبنان.
لم تستجب شركات التدقيق الثلاث هذه، والتي قامت جميعها بمراجعة الحسابات في البنك المركزي، لطلب صحيفة "ذا ناشيونال" للتعليق على المخالفات.
وبحسب ما ورد، دفعت خطورة الاتهامات القضاة الفرنسيين إلى إخطار سلامة - قبل جلسة الاستماع في 16 أيار - بعزمهم على توجيه اتهامات أولية بالاحتيال وغسل الأموال.
الحساب السري
جلسات الإستماع التي كشفت أن المدققين على علم بوجود "حساب سري" في البنك المركزي، إلى جانب الوثائق القضائية وتقارير التدقيق، تعطي نظرة ثاقبة حول كيفية انزلاق مصرف لبنان.
بعد أشهر من الصمت، أكدت وزارة المالية للصحيفة أن التدقيق الجنائي لمصرف لبنان، الذي يهدف إلى توضيح الأمر، قد تأخر مرة أخرى.
ويذكر أنه تم إيداع ما لا يقل عن 326 مليون دولار من العمولات بين نيسان 2002 وتشرين الأول 2014 في حساب "مقاصة" في البنك المركزي، والذي يُزعم أنه تم تحويله بعد ذلك إلى أوروبا من خلال عمليات معقدة لشراء عقارات راقية في أوروبا تابعة لسلامة وأقاربه.
وادعى سلامة أن هذا الحساب كان في متناول مدقّقي مصرف لبنان، والمكاتب المحلية لشركتي Deloitte و EY، و"تم تشغيله بشفافية".
وكتب محامون سويسريون لسلامة في رسالة إلى السلطة القضائية في العام 2021: "كان هذا الحساب المخصص متاحاً بشكل طبيعي لمراجعي مصرف لبنان، الذين أثاروا تساؤلات حوله في عامي 2016 و 2017".
لم يسمح لنا
ومع ذلك، فإن المراجعين يدّعون بشكل مختلف. وقال رمزي عكاوي، ممثل EY، في جلسة 2021 أمام القاضي اللبناني المسؤول عن تحقيق موازٍ في قضية "فوري"، إن الحاكم سلامة رفض السماح لمراجعي الحسابات بالوصول إلى الحساب بسبب "السرية". وأضاف أن مراقبي الحسابات اعتبروا الاستجابة "مرضية".
وطبقاً لجلسة مراجع آخر لشركة EY وليد نقفور، فقد طلب سلامة منهم استبعاد الحساب من "نطاق التدقيق"، ونتيجة لذلك، على حد قوله، لم يذكره المدققون في تقريرهم النهائي. لا يزال من غير الواضح سبب انتظار المدققين حتى العام 2016 لطلب توضيح حول حساب تم فتحه في العام 2002، حيث لم ترد شركتا Deloitte ولا EY على طلب للتعليق.
وقال خبير مصرفي ومالي: "لا يوجد سبب لاعتبار هذا الحساب سرياً، ولماذا لم يفصح المدققون عن حرمانهم من الوصول إليه في تقريرهم".
فمن دون إشراف من لجنة التدقيق، كانت للحاكم الصلاحية الكاملة لتحديد نطاق التدقيق، لكن هذا أدى إلى انتهاكات ضد المبادئ الأساسية لممارسات التدقيق الجيدة.
إنتقادات واسعة
واستقالت الشركتان في العام 2019، وسط انتقادات بأن توقيعهما على بيانات مصرف لبنان، التي لا تلتزم بالمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية ومعايير المحاسبة الدولية، سمح للبنك المركزي بإخفاء خسائر بمليارات الدولارات.
و"كان هناك بعض التراخي من قبل مدققي حسابات مصرف لبنان، الذين تم تعيينهم من قبل إدارة البنك المركزي. وقال أستاذ القانون السابق في الجامعة الأميركية في بيروت توفيق شمبور، إن هذا خلق تضارباً في المصالح لأنهم سيتجنبون إنتاج تقارير سلبية، والتي ظلت سرية على أي حال، ضد من يدفع أتعابهم. وتم تعيين شركة أخرى من الشركات الأربع الكبرى، KPMG، في العام 2020 لتدقيق حساب مصرف لبنان، لكن النتائج التي توصلت إليها لم تُعلن بعد.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News