"ليبانون ديبايت" - محمد المدني
منذ عام ونصف، باتت بكركي ملجأً للموارنة الطامحين للجلوس على كرسي رئاسة الجمهورية، بعدما تدنّت المواصفات وبات كل ماروني هو مشروع "فخامة الرئيس"، بينما المطلوب هو رئيسٌ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حفاظاً على ما تبقى من جمهورية.
لكن فترة السنة ونصف أثبتت أن لبكركي دوراً محدوداً في الإستحقاق الرئاسي، فهي غير قادرة على إيصال أي مرشح، بغض النظر عن إمكاناته وقدراته وعلاقاته الداخلية والخارجية. ورغم أن الجميع قصد بكركي لنيل المباركة وشرف التواجد على اللائحة الرئاسية التي وُزِّعت على القوى السياسية، لا يزال الإستحقاق ومرشحوه، يدورون في حلقة مفرغة ينتظرون سقوط مرشح "الثنائي الشيعي" الذي لم يسقط بعد.
بكركي ورغم أهميتها كمرجع ديني يمثل الموارنة في لبنان، إلا أن دورها السياسي يكاد يقتصر حالياً على عقد لقاءات برئاسة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي. وفي الآونة الأخيرة، لم تنجح بكركي حتى في لمّ شمل الزعامات المارونية على غرار ما كان يحصل في الماضي القريب، فمنذ فترة قصيرة كان رأي "القوات اللبنانية" واضحاً بأن الإجتماعات تحت سقف البطريركية المارونية مع الأفرقاء المسيحيين الآخرين لم تعد تجدي نفعاً، وليس لها من تأثير جدّي على المشهد السياسي.
أما حال بكركي مع القوى المسيحية الأخرى فلم تكن أفضل. فسليمان فرنجية رفض أيضاً اللقاءات في بكركي لعدم السماح للثلاثي المسيحي الآخر باستفراده، وهم يجتمعون على "مصيبة" ترشيحه. أما حماس جبران باسيل لبكركي واجتماعاتها فلم يكن بدوره عن قناعة، بقدر ما كان للإستفادة من بكركي كوسيلة لكسر عزلته عبر الإجتماع مع القوى المسيحية الأخرى تحت سقفها والإلتفاف على رفضهم الإلتقاء به ثنائياً.
وإذا كان مفهوماً أنه ليس على بكركي أن تكون طرفاً بين المرشحين والقوى المسيحية، لأن دورها أن تبقى الصرح الجامع الذي يقصده الجميع، إلا أنه على بكركي أن تنتهج خطاً بيانياً أكثر وضوحاً في مقاربة الإستحقاق، وهذا ما يجب أن يرسم موقفها حول الصراع الرئاسي القائم، دون أن يعني أنها جزء من اصطفاف سياسي معيّن. ففي حين تقارب "القوات اللبنانية" الإستحقاق الرئاسي بخلفية خصومتها مع "حزب الله"، ويقاربها باسيل بخلفية بحت سلطوية، فإن اعتبارات البطريركية المارونية يجب أن تختلف عنها، لأنها من موقع المسؤولية المعنوية والوطنية الكبيرة التي ترمز إليها، لا يفترض أن تتحوّل إلى منصّة سياسية ل"القوات اللبنانية"، ولا أن تكون مطيّة سلطوية لباسيل، بل يجب أن تقدّر الظرف السياسي والوطني وتقارب الإستحقاق الرئاسي بتجرّد ومسؤولية وواقعية تفتقدها القوى السياسية المسيحية كلّ لأسبابها.
في غياب هذا التحوّل في المسار الرئاسي للمسيحيين، سيبقى صوت البطريرك يصدح من دون صدى مؤّثر، وسيبقى الدور المسيحي إلى انحسار في ظلّ فراغٍ متمادٍ يطال معظم المواقع المسيحية، وهو مرشح للإستمرار في زمن قيادات مسيحية عاجزة ومرجعية روحية لا تعوّض هذا القصور السياسي المسيحي.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News