"ليبانون ديبايت"- عبدالله قمح
خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية، طرح بنيامين نتنياهو، على ما جرى تداوله أميركياً، شنّ عملية عسكرية "محدودة" ضد "حزب الله"، بإدعاء أن بإمكانها فرض التفاوض على الحزب لوقف إطلاق النار في الشمال قبل انتهاء المعارك في قطاع غزة. مصادر أخرى قالت إن ما سعى نتنياهو لأجله في واشنطن، كان الحصول على ضوء أخضر أميركي لتوسيع العمليات ضد الحزب، لذلك مثلاً "شَطَح" في تزلّف الأميركيين. ويجدر التذكير أن نتنياهو يشعر بضغط شديد نتيجة سقوط التزامه السابق بإعادة المستوطنين إلى الشمال قبل بداية العام الدراسي المقبل. كذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أن مسار التفاوض حول ما يسمى "الجهة الشمالية" متوقف حالياً نتيجة إصرار الحزب، على الربط مع غزة، ما ألزم الولايات المتحدة هذا السقف. وادعى نتنياهو أن مطلبه "يساعد عاموس هوكشتين" في الإنتقال إلى مرحلة "أكثر مرونة" في التفاوض تلزم الحزب التراجع عن سقفه. في النهاية، خلصت المصادر إلى القول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي فشل في المحاولة.
في أعقاب ذلك، جاءت حادثة سقوط صاروخ على ملعب لكرة القدم في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، متسبّباً بسقوط 12 قتيلاً، لتفتح باب التكهّنات على مصراعيه حول الجهة المسؤولة عما جرى: هل أن القصف فعل حصل بالصدفة جراء خلل في "القبة الحديدية"، فوجدت تل أبيب فيه فرصة مناسبة لزيادة ضغوطاتها على الإدارة الأميركية من أجل نيل تفويض حول توسيع الهجمات ضد "حزب الله"، أو لدفع الحزب مجدداً نحو طاولة المفاوضات، أم أنها تقصّدت إفتعال الحادث للأهداف نفسها؟
عملياً تصبح كل التكهّنات واردة طالما أن باب المفاوضات في المنطقة ما زال مفتوحاً، بدليل الجولات الجارية في روما والدوحة والقاهرة، إلى جانب ما أعلنته وزارة الخارجية الإسرائيلية أمس تعقيباً على حادث مجدل شمس من أن "حزب الله أمام فرصة دبلوماسية أخيرة لتنفيذ القرار 1701 قبل الحرب"، والظهور المفاجئ للمبعوث الأميركي عاموس هوكشتين بعد تصريحات نتنياهو في الكونغرس، وأثناء وجوده في واشنطن، حيث جدّد التلازم في المفاوضات بين مساري قطاع غزة وجنوب لبنان.
وقائع من الإتصالات
غداة سقوط الصاروخ على ملعب لكرة القدم وتسبّبه بسقوط ضحايا، إدعت إسرائيل أن مصدره موقع إطلاق تابع للحزب يقع شمال بلدة شبعا في القطاع الشرقي من جنوب لبنان. بدوره ردّ الحزب في بيان رسمي نافياً إدعاءات العدو أو أن يكون على صلة بالحادث.
في هذا الوقت، كانت تدور مفاوضات دبلوماسية شبه صامتة تولاها وسطاء استمرت طيلة ليل السبت ـ الأحد، وامتدّت حتى ساعات الفجر من خلال اتصالات تولّتها الأمم المتحدة من جهة، والوسيط الأميركي عاموس هوكشتين والسفارة الأميركية في بيروت من جهة. ويقال إن جهات أخرى إنضمت إلى المسار، وشكّل الفرنسيون والانكليز حلقة أساسية، وفقاً لما تؤكده مصادر "ليبانون ديبايت".
وتفيد معلومات خاصة حصل عليها "ليبانون ديبايت" من مصدر مستقل، أن هوكشتين أجرى اتصالات ليلية بالمسؤولين الإسرائيليين، كما أجرى اتصالات على نحو مشابه مع قنوات معتمدة على المقلب اللبناني، وأخرى مع مسؤولين لبنانيين مؤثرين من بينهم الرئيس نبيه بري، كما شملت الزعيم وليد جنبلاط ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المتواجد خارج لبنان، بالإضافة إلى وزير الخارجية عبدالله بو حبيب. وإن تضمّنت إتصالات هوكشتين نقل تهديدات إلى بيروت من الجانب الإسرائيلي، لكنه سمع في المقابل كلاماً على نفس الوزن، كما أبدى حرصاً على التزام الجميع القواعد المعمول بها للمعركة، وعدم مفاقمة ما يجري وإفساح المجال أمام الحلول الدبلوماسية. هذا ولم تنفِ المصادر إمكانية إجراء هوكشتين زيارة طارئة إلى المنطقة في حال رصد أن ثمة تغيراً واضحاً في الميدان يمكن أن ينقل المعركة إلى إطار أوسع.
خلال الإتصالات نفسها، أكد الحزب، عبر الوسطاء الذين تواصلوا معه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أنه لم يقف خلف إطلاق الصاروخ المزعوم. وقد زوّد الأمم المتحدة بمعطيات واضحة تثبت ضلوع المواقع الإسرائيلية والقبة الحديدية. رواية أكدها شهود عيان مدنيون من مجدل شمس في يوم تشييع الضحايا، قالوا إن بعضهم رأى صاروخاً ينطلق من سفح جبل الشيخ نحوهم. وقد ربطوا ما شاهدوا بتجارب سابقة تؤكد سقوط صواريخ "قبة حديدية" في قريتهم.
بموازاة وضع الحزب الأمم المتحدة في أجواء ما لديه، كان التهديد الإسرائيلي تجاه لبنان يرتفع تدريجياً عن لسان مسؤولين سياسيين وعسكريين حاليين وسابقين، ما حدا بالحزب إلى إبلاغ الأمم المتحدة عبر قنوات "اليونيفيل" وقنوات أخرى، بأنه، ونظراً لعدم مسؤوليته عن إطلاق الصاروخ أو سقوطه، فإنه يجد نفسه مسؤولاً في الرد على أي عدوان إسرائيلي تجاه لبنان، وإنه سوف يعتبر أن أي قصف يأتي خارجاً عن طبيعة المعركة الحالية المفعلة منذ 8 تشرين الأول الماضي بمثابة اعتداء منفصل عن سياق معركة "إسناد غزة"، وبالتالي ستتصرف المقاومة على أساس أنه إعلان حرب من جانب إسرائيل على لبنان.
بدوره رئيس مجلس النواب، التزم نفس سقف المقاومة، وقد أبلغ مضمون موقفه وموقف المقاومة في اتصال أجرته معه المنّسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت، بعدما لجأت إليه بدافع "تهدئة النفوس" والتزام القواعد المعمول في وقتٍ كان الزعيم وليد جنبلاط يلعب دوراً مؤثراً وإيجابياً بالنسبة إلى المقاومة.
إسرائيل تتهيّب!
في هذا الوقت، كان الهدوء يسود جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة بعد حادثة مجدل شمس، إذ لوحظَ أن المقاومة الإسلامية التزمت عدم القيام بعمليات ليلاً، فيما إسرائيل امتعنت عن شن غارات، ليخرق العدو هذا المشهد عند حدود منتصف ليل السبت - الأحد تقريباً، بعد شنّه حوالى 7 غارات متزامنة على مناطق ومواقع في مدينة صور ومحيطها اتسمت بالعنف الواضح لكنها لم تؤدِ إلى سقوط شهداء أو ضحايا سواء على مقلب المدنيين أو "حزب الله". ما يلفت أن العدو وضع تلك الغارات في سياق ما أسماه " رداً على إطار الضربات طول النهار"، ما فُهم أنه قد يكون شمل ـ من وجهة نظره - ما جرى في مجدل شمس، كخطوة أولى منه سوف يتبعها خطوات.
وعلى ما ظهر خلال الساعات الماضية، تبدو إسرائيل متهيّبة اللحظة. ففي ظل دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى رد "موجع"، جاء تعليق معهد الأمن القومي الإسرائيلي واضحاً لجهة أن "الردّ القاسي من جانب إسرائيل سيدفع حزب الله للرد وكسر قواعد المواجهة في الشمال"، ما كان بمثابة تحذير تتبناه وجهات نظر عديدة داخل إسرائيل لا تريد للوضع أن ينتقل في "الشمال" إلى حرب واسعة.
حالة الترقّب بدت واضحة في تل أبيب، لا سيما مع افتتاح "البورصة" التي شهدت تراجعاً حاداً. تزامناً مع ذلك صدرت مواقف دعت إلى توجيه ما أسمته "رداً موجعاً" لكن من دون أن يؤدي إلى توسيع الحرب. وفي مسعى لاحتواء الأزمة، تردد في تل أبيب أن بعض جنرالات الجيش، سيدفعون باتجاه تنفيذ ردّ، لكن من ضمن القواعد المعمول بها، أي ألا يذهب إلى حرب واسعة مع لبنان، مما يعني أن تأثير وحضور الحزب يفرض نفسه.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News