في ظل تسارع التحركات الدولية والإقليمية، تعود سوريا إلى واجهة النقاشات السياسية وسط آمال متباينة بشأن رفع العقوبات المفروضة منذ عقود، وإطلاق مشروع لإعادة الإعمار.
إلا أن الطريق إلى تحقيق "سوريا الجديدة" يبدو مليئًا بالتحديات، حيث تتشابك العوامل الاقتصادية مع المعوقات السياسية والإنسانية.
تعيش سوريا أزمة اقتصادية خانقة أرهقت مواطنيها، وجعلت نحو 90% من السكان، وفقًا لعضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري أحمد بكوره، يواجهون ظروفًا معيشية قاسية. ويعود ذلك إلى عقوبات مفروضة منذ عقود، والتي تضاعفت خلال سنوات الصراع.
من جانبه، أوضح الكاتب والباحث السياسي عبدو زمام، في حديث لـ"سكاي نيوز"، أن العقوبات ليست وليدة العقد الأخير فقط، بل تعود إلى السبعينيات، وتراكمت مع الزمن لتشمل البنى التحتية الحيوية، مثل البنك المركزي والبنك التجاري.
وأضاف زمام أن منطقة الجزيرة السورية، التي كانت تُعتبر السلة الغذائية للبلاد ومصدر النفط والغاز، باتت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ما حرم البلاد من موارد اقتصادية رئيسية.
أما ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركية الأسبق لشؤون الشرق الأدنى، فقد أشار إلى أن العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر وغيرها زادت من عمق الأزمة الإنسانية، حيث يعيش أكثر من 85% من السوريين تحت خط الفقر.
ورغم ذلك، يعتقد شينكر أن رفع بعض العقوبات لا يزال معتمدًا على التزام السلطات السورية الجديدة بتعهدات تتعلق بالحكم الرشيد وحقوق الأقليات.
مع تغير المشهد الدولي، برزت مطالبات برفع العقوبات لإفساح المجال أمام إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الإنسانية. ووفقًا لأحمد بكوره، فإن رفع العقوبات يتطلب خطوات سياسية واقتصادية داخلية، أبرزها تأسيس حكومة انتقالية شرعية تعكس تطلعات الشعب السوري.
وأضاف بكوره: "لا يمكن أن يستمر هذا الوضع مع وجود معاناة إنسانية بهذا الحجم. تأخير رفع العقوبات يعني استمرار الأزمة، وهو ما يعيق عودة اللاجئين وتحقيق الاستقرار".
من جهة أخرى، يرى شينكر أن "رفع العقوبات ليس فقط قرارًا سياسيًا، بل مرتبط بتطورات على الأرض، مثل التعامل مع جماعات مثل هيئة تحرير الشام، وضمان احترام حقوق الأقليات".
وأضاف أن الإدارة الأميركية قد تنظر في رفع العقوبات تدريجيًا إذا تم تقديم ضمانات على صعيد الحكم الرشيد، إلا أن العقوبات المتعلقة بالجولان والجماعات الإرهابية ستبقى سارية.
بناء سوريا جديدة لا يتعلق فقط برفع العقوبات، بل بتمثيل كافة مكونات المجتمع السوري في المرحلة الانتقالية، وهو ما أكده بكوره الذي شدد على أهمية وجود "مؤسسات تمثل كافة الأطياف السورية، بما في ذلك الكردية والمسيحية والدرزية والشيعية".
وأشار بكوره إلى أن المرحلة القادمة تتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف لتحقيق توافق وطني يمهد لاستقرار طويل الأمد.
لكن زمام يحذر من أن "إهمال حقوق الأقليات أو فرض حلول سريعة وغير مدروسة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك تصاعد التوترات الطائفية والعنف".
كما أكد زمام على ضرورة وضع معايير واضحة لاختيار اللجنة التحضيرية للحوار الوطني لضمان تمثيل عادل وشامل.
رغم التعقيدات، يبدو أن هناك حراكًا دوليًا يقوده دافع إنساني لتخفيف معاناة الشعب السوري. ومع ذلك، يشير زمام إلى أن رفع العقوبات بشكل جزئي أو مؤقت لن يكون كافيًا لإنعاش الاقتصاد، مشددًا على أهمية استدامة الحلول وضمان توافق سياسي داخلي.
أما شينكر، فقد حذر من أن "أي قرار برفع العقوبات يجب أن يُتخذ بحذر، مع مراقبة الوضع الداخلي وتأثير ذلك على استقرار المنطقة ككل، بما في ذلك دول الجوار مثل الأردن ولبنان".
الطريق نحو سوريا جديدة يتطلب أكثر من مجرد قرارات برفع العقوبات. إنها عملية معقدة تستدعي تنسيقًا داخليًا ودوليًا لمعالجة التحديات الإنسانية والسياسية والاقتصادية المتداخلة.
وبينما تبدو الفرص ممكنة، يبقى السؤال: هل سينجح المجتمع الدولي والسوريون أنفسهم في تجاوز عقود من الانقسام والصراع لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدلاً؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News