خاص ليبانون ديبايت

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الجمعة 25 نيسان 2025 - 07:11 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

نقاش واقعي وهادئ حول صواريخ المقاومة

نقاش واقعي وهادئ حول صواريخ المقاومة

ليبانون ديبايت - عبدالله قمح


بعد الحرب الأخيرة، ووسط الغبار المتصاعد من الميدان، برزت ضرورة مراجعة هادئة لجولات القتال وأداء المقاومة، سواء في مرحلة الإسناد أو خلال القتال مرتفع الوتيرة، وتحديداً فيما يتعلّق باستخدام الصواريخ الثقيلة التي لطالما اعتُبرت العمود الفقري لعقيدة الردع لدى حزب الله. هذه الدعوة لا تنطلق من موقع التشكيك أو العداء، بل من منطلق الحرص على المقاومة واستمراريتها، في ظل متغيرات إقليمية وعسكرية متسارعة تستدعي إعادة تقييم الأدوات والأدوار، لا سيما حين يتبيّن أن بعضها لم يعد يؤدي وظيفته الأصلية.


قد يرى البعض أن الحديث عن المقاومة في هذا التوقيت، وسط تنامي الدعوات إلى تسليم سلاحها، والضغوطات السياسية والعسكرية الداخلية والخارجية، لم يعد ذا جدوى أو يأتي خارج السياق. لكن هؤلاء يتجاهلون حقيقة أساسية: أن الفعل المقاوم يتولّد أساساً من رحم الشعوب في اللحظات غير الطبيعية والاستثنائية، ولم يكن يوماً وليد حالة طبيعية. انطلاقاً من هذا، يصبح التكيّف ضرورة لا بد منها، واستقاء العبر من التجارب - وحتى من العدو نفسه - أمراً مشروعاً. فبعد إخفاقه في حرب تموز 2006، أنتج العدو تقرير “فينوغراد” الشهير، وبنى عليه. وليس من المعيب إطلاقاً أن يكون لنا “فينوغرادنا” بصيغة أو بأخرى.


منذ نهاية حرب تموز، بنت المقاومة استراتيجية صاروخية ضخمة، ركّزت على تراكم كميات ونوعيات من الأسلحة الثقيلة والدقيقة، لفرض معادلة ردع تمنع العدو من شن حرب جديدة. وقد نجحت هذه الاستراتيجية في ذلك لسنوات. غير أن الحرب الأخيرة كشفت عن ثغرات عميقة في هذا التصور، وأظهرت أن العدو طوّر استراتيجياته على نحوٍ لم يُقابل بمرونة مماثلة. فقد تم استهداف جزء كبير من الترسانة الصاروخية في الأيام الأولى، إمّا عبر الضربات الجوية أو نتيجة الانكشاف الأمني، ما جعل هذه الترسانة أقرب إلى عبء ثقيل منها إلى أداة فعّالة.


فهل سقطت استراتيجية الردع الصاروخي بالتقادم؟

لا يكفي أن يكون السلاح متطوراً ليُحدث فارقاً ميدانياً. العدو، مستفيداً من تفوقه الاستخباراتي والتكنولوجي، استطاع تحديد مواقع هذه الترسانة – أو جزء منها – وتعطيلها، ما أفقد المقاومة قسطاً كبيراً من قوتها المفترضة، وسبب لها ضربة معنوية كادت – لولا صمود المقاتلين في الميدان – أن تمنح العدو لحظة نصر رمزي.


لكن الدرس لا يقتصر على السلاح فقط، بل يمتد إلى طريقة التفكير: هل باتت بنية المقاومة أثقل مما تحتمل؟ إن الاعتماد المفرط على الدمج بين الفعل العسكري المقاوم والطابع الكلاسيكي للعمليات، رغم فوائده، جعل جسم المقاومة أكثر عرضة للانكشاف، وأفقدها إحدى أبرز ميزاتها: المرونة والتخفي. من هنا، يصبح من المشروع التساؤل: هل آن الأوان للانتقال من نموذج “القوة الضاربة” إلى نموذج “المقاومة المتحركة”؟


في المقابل، أثبتت المواجهات الميدانية، كمعركة الخيام، فعالية القتال التقليدي القائم على المجموعات الصغيرة والحركة السريعة. فقد تمكنت وحدات المشاة الجغرافية من تعطيل تقدم العدو، وإرغامه على التراجع مراراً، بل إنه عجز عن فرض سيطرته على الخيام طوال أيام القتال، ما يفتح الباب أمام خيار عملي: الاستثمار في القتال الكلاسيكي عالي الاحترافية بدلاً من الرهان الحصري على الصواريخ بعيدة المدى.


كما أن العودة إلى البنية التنظيمية السرية التي اتبعتها المقاومة خلال التسعينات تبدو خياراً منطقياً. التوسع العددي، والانخراط الواسع في الفضاء الرقمي، والانكشاف على شبكات الاتصال الذكية والتواصل الاجتماعي، كلها عوامل ضيّقت هامش المناورة، ورفعت كلفة الاختراق. وهنا يمكن العودة إلى الأسس التي حصّنت المقاومة في بداياتها، حين عملت مجموعاتها في ظروف أمنية قاسية وبأقصى درجات الكتمان.


فالعدو لا يراهن فقط على تفوقه الناري، بل أيضاً على قدرته في تجريد المقاومة من أسرارها. وقد يكون أخطر ما تواجهه المقاومة اليوم ليس حجم القصف، بل حجم الاختراق. من هذا المنطلق، يجب أن يكون الرهان على التكنولوجيا تكتيكياً لا استراتيجياً. فليس كل سلاح متطور ضمانة للنصر، وليست كل مقاومة بحاجة لأن تتحول إلى جيش كلاسيكي، بل إلى قوة مرنة وفاعلة تحافظ على استمراريتها.


العدو اليوم لا يراهن فقط على تفوقه الناري، بل على قدرته على تجريد المقاومة من أسرارها. وقد يكون أخطر ما يواجهها الآن، ليس حجم القصف، بل حجم الاختراق. وعليه، فإن الرهان على التكنولوجيا يجب أن يكون رهاناً تكتيكياً، لا استراتيجياً فقط؛ فليست كل ترسانة تكنولوجية ضمانة نصر، وليست كل مقاومة بحاجة إلى التسلح بما يشبه جيوش الدول، بقدر حاجتها إلى ما يضمن فاعليتها واستمراريتها.

في المحصلة، لا بد من مواجهة الحقيقة كما هي: تجربة الصواريخ، رغم إنجازاتها في ترسيخ الردع، لم تعد كافية وحدها ولا بد من إجراء قراءة شاملة حولها. والمقاومة -بما هي مشروع طويل الأمد- تحتاج إلى شجاعة في النقد الذاتي، وميل دائم للتجديد، ولما لا، البحث عن مصادر من خارج الصندوق، تتيح للمقاومة شيءً من الانتقال نحو الاعتماد على مسار أكثر تطوراً. فالمعارك المقبلة ستكون حتماً أكثر تعقيداً، وتختلف بصورتها عمّا كان سائداً. صحيح أن إنتقال أو محاولة إنتقال أو حتى مجرّد التفكير في هذا النوع، يصعب تصديقه ويحتاج إلى ميزانيات ضخمة، لكن يمكن للمقاومة في ما تيسّر لديها من إمكانيات إستخدمت في تطوير سلاح المسيرات، أن تطور نفسها بنفسها.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة