"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
أعادت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت خلط الأوراق السياسية في الداخل اللبناني، إذ لامست بشكل مباشر موقع رئاسة الجمهورية، التي وجدت نفسها في مواجهة تصعيد عسكري إسرائيلي غير مبرّر، تقرأه أوساط القصر على أنه محاولة قوّضت من جهود الدولة في شأن استعادة سلطتها وبسط سيادتها الكاملة.
ووفق معلومات خاصة بـ”ليبانون ديبايت”، اعتُبرت الغارة محاولة للضغط سياسيًا على حزب الله، غير أنها أصابت أيضًا مساعي رئيس الجمهورية جوزاف عون، الهادفة إلى “حصر السلاح” وبسط الدولة لسلطتها، عبر الوصول إلى مخرج واقعي ومدروس مع حزب الله. مرجع مطّلع أكّد لـ”ليبانون ديبايت” أن الغارة، رغم افتقارها لأي مبررات عسكرية مباشرة، وضعت الرئاسة أمام تحدٍّ سياسي كبير، وأظهرت هشاشة الدولة أمام الضربات الإسرائيلية، ما انعكس سلبًا على المناخ السياسي العام، وحرّف الأنظار عن الحوار الثنائي المحتمل بين الحزب والرئاسة. لكن الجيّد في الأمر كلّه، أنها أعادت رفع مستوى التنسيق بين الرئاسات الثلاث، لا سيّما الرئاستين الأولى والثانية.
وفي مقابل الصمت الدولي المطبق والإحراج المحلي الذي لا مثيل له، اختارت رئاسة الجمهورية التحرك عكس مفاعيل الغارة، فأصدرت بيانًا غير مسبوق من حيث النبرة، وجّه انتقادات مباشرة لكنها اتسمت بالهدوء إلى الولايات المتحدة وفرنسا، بوصفهما راعيتين لاتفاقات وقف الأعمال العدائية، محمّلةً إياهما مسؤولية الصمت المتكرر تجاه الاعتداءات الإسرائيلية.
مصادر دبلوماسية اعتبرت أن البيان اللبناني أثار استياءً في واشنطن، بينما قرأته باريس بنظرة أكثر تفهمًا، واعتبرته تعبيرًا عن انزعاج لبناني مشروع من المحاولات الإسرائيلية المستمرة والرامية لتجاوز مفاعيل اتفاق السابع والعشرين من تشرين الثاني. مع العلم أن الاعتداءات الإسرائيلية باتت تهدف إلى تحقيق أكثر من “زعزعة للاتفاق”، وتبلغ حدّ محاولة التأثير – أو فرض نفسها مؤثرة – في الواقع السياسي اللبناني أو على صعيد الملفات الداخلية عبر استخدام القوة.
وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، أجرى الرئيس عون سلسلة اتصالات مع الجانب الأميركي، سواء بشكل مباشر أو من خلال قنوات دبلوماسية معتمدة، للمطالبة بخطوات ملموسة تواكب الاستياء الرسمي اللبناني. وقد أسفرت هذه الاتصالات عن إعطاء الإدارة الأميركية توجيهات إلى رئيس لجنة الإشراف على تنفيذ القرار 1701، الجنرال جسبر جيفرز، للعودة إلى بيروت، في خطوة وُصفت بأنها “جرعة دعم معنوية، وتهدف إلى احتواء الموقف اللبناني المتشنّج وتهدئة المخاوف الرسمية اللبنانية”، من خلال منح الإذن بإعادة إطلاق مسار الاجتماعات الرسمية للجنة، مع الإشارة إلى أن جيفرز سيستعيد نشاطه بعد جولة لقاءات تشمل الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش، في محاولة لاحتواء الغضب الرسمي اللبناني.
مع ذلك، ترى مصادر مطلعة أن عودة جيفرز – الذي مضى على مغادرته لبنان أكثر من شهرين – رغم رمزيتها، لا تحمل أي صلاحيات عملية أو استثنائية لردع الاعتداءات الإسرائيلية، بالإشارة إلى خلو التفويض الممنوح لـ”جيفرز” من أي إشارات فعلية، ومن غير المتوقع أن تؤدي بالضرورة إلى مفاعيل مؤثرة على الأرض، بل تندرج ضمن سياسة “التبريد التكتيكي”، أو ما يمكن تشبيهه بـ”إبرة مورفين”، هدفها تهدئة الرئاسة اللبنانية من دون ضمانات فعلية.
ويبدو أن آلية التواصل ضمن لجنة الإشراف لا تزال قائمة وفاعلة ولكن باتجاه واحد، إذ ترسل إسرائيل طلباتها الأمنية عبر القنوات الأميركية أو الفرنسية إلى الجانب اللبناني، الذي سرعان ما يتحرك إزاءها ويتعامل معها على درجة عالية من الأهمية، بينما لا تلقى المطالب اللبنانية الاهتمام نفسه. ووفق المصدر، لم يُدعَ حتى اللحظة إلى أي اجتماع رسمي للجنة رغم تسجيل أكثر من 3000 خرق إسرائيلي منذ تشرين الثاني الماضي، مع تأكيد أن الاجتماعات متوقفة منذ شهر شباط الماضي. لكن ذلك لم يحل دون جهوزية الوفد اللبناني العسكري الذي يواصل تحضير وتنقيح ملفاته وخرائطه بشكل يومي.
في موازاة ذلك، شهدت الساحة الداخلية جدلًا خلال الساعات الماضية حول ما قيل إنه رفض من حزب الله للتعاون مع دورية تابعة للجيش كانت تنوي التوجّه إلى موقع الغارة في منطقة الحدث قبل أيام من حصولها وللحؤول دونها، وذلك بعد ورود طلب “إسرائيلي” إلى لجنة الإشراف. لكن مصادر أمنية نفت تلقّي أي طلب رسمي بهذا الخصوص من الجيش أو القوى الأمنية خلال الفترة المشار إليها. وأكدت المعلومات أن وحدات الجيش، وعلى رأسها فوج التدخل الرابع المسؤول عن عملية حفظ الأمن في الضاحية، لم تُسجّل لها أي محاولة دخول إلى موقع الغارة قبل تنفيذها. وأشارت إلى أن وحدات عسكرية سبق أن تحرّكت في مواقع مشابهة وحساسة داخل الضاحية (الشويفات – كفرشيما) بناءً على طلب من لجنة الإشراف، من دون أن تواجه اعتراضًا من الحزب.