المحلية

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الثلاثاء 08 تموز 2025 - 07:00 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

توم برّاك ينسف اتفاق وقف إطلاق النار

توم برّاك ينسف اتفاق وقف إطلاق النار

"ليبانون ديبايت"-عبدالله قمح


الإيجابية التي أظهرها المبعوث الأميركي المؤقت، توم برّاك، خلال زيارته إلى بيروت، والطريقة اللطيفة التي تناول بها القضايا المطروحة، لا تكفي لفهم الموقف الأميركي الحقيقي من الورقة اللبنانية التي جاءت ردًا على الرسالة الأميركية. فالمسؤول عن الرد النهائي ليس برّاك نفسه، بل الإدارة في واشنطن حصريًا.


صحيح أن برّاك عبّر عن إعجابه بالورقة، واصفًا إيّاها بـ”الرائعة”، ومشيرًا إلى أنها صادرة عن رئاستي الجمهورية والحكومة، وهو ما أضفى عليها طابعًا رسميًا بالغ الأهمية، إلا أن بعض تصريحاته أوحت بأنه لم يطّلع على كامل مضمونها، بل اكتفى بسماع التفاصيل ممّن التقاهم. إذ أشار إلى أنه بصدد قراءتها، وأن التقييم النهائي سيصدر بعد دراستها من الجهات المختصة في الإدارة الأميركية، التي يُتوقّع أن ترسل ردها عبر السفارة في بيروت أو من خلال زيارة ثانية يُكلف بها برّاك.


برّاك لم يكن مخوّلاً الخوض في تفاصيل الرد أو المفاوضة بشأنه، بل اقتصر دوره على نقل الرسالة الأميركية وجمع الردود اللبنانية، مع هامش ضيق للمناقشة العامة. أما التقييم الفعلي، فستتولاه مؤسسات القرار في واشنطن، وفي مقدمتها البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي، اللذان سيخضعان الورقة اللبنانية للدراسة قبل صياغة الرد الرسمي. وهنا، من المؤكد أن المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل لن تكونا بعيدتين عن هذا المسار.


الانطباع المبالغ فيه الذي تولّد من استخدام برّاك لعبارات دبلوماسية إيجابية لا يُعتد به كثيرًا، استنادًا إلى تجارب سابقة. ثمة من يرجّح أن ما جرى يعود إلى اختلاف في الترجمة من الإنكليزية إلى العربية أو في تأويل المصطلحات. وما نُقل في الإعلام عن إعجابه بالورقة بدا مبالغًا فيه. ففي الواقع، الأرجح أنه كان يشيد بسرعة تقديم ورقة مكتوبة من الجانب اللبناني أعدّت بمثابة وثيقة سياسية وهي خطوة نادرة، حيث تضمنت مسائل معقدة كالسلاح، الاحتلال الإسرائيلي، إعادة الإعمار، العلاقة مع سوريا والإصلاحات، أكثر من إشادته بمضمونها.


موقف برّاك لم يخلُ من إشارات ملتبسة. فقد تحدّث عن “فشل آلية التنسيق” بين حزب الله والحكومة اللبنانية وإسرائيل، في إشارة إلى آلية مراقبة وقف إطلاق النار، أو ما يُعرف بـ”الميكانيزم”. هذا يُوحي برغبة أميركية في إنهاء العمل بتلك الآلية واستبدالها بصيغة جديدة. وقد ظهرت إشارات سابقة بهذا الاتجاه، خصوصًا حين جُمّدت الاجتماعات المخصصة لهذه الآلية واقتصر التنسيق على الاتصالات الهاتفية.


وعليه، يبدو أن واشنطن تسعى إلى إحلال الورقة اللبنانية محل اتفاق ٢٧ تشرين الثاني، الذي أنهى الحرب نسبيًا من طرف واحد، وسمح بإطلاق آلية العمل الحالية. وإذا ما وافقت واشنطن على الورقة - أو اقترحت تعديلات عليها - فستصبح بمثابة المرجعية الجديدة لوقف إطلاق النار، ما يعني إسقاط الاتفاق السابق.


في الداخل اللبناني، ثمة ترقّب لاعتبار الورقة “تفاهماً جديدًا”، وهو ما يتقاطع مع خشية حزب الله من وجود نية أميركية لفرض صيغة مختلفة. إلا أن تسليم لبنان ورقة رسمية تعتبرها واشنطن صادرة عن الحكومة قد يُفسَّر أميركيًا كقبول مبدئي بمقترح قابل للتنفيذ، حتى من طرف واحد.


يأتي هذا في ظل اقتراب موعد التمديد لقوات اليونيفيل العاملة جنوب لبنان، وسط رغبة أميركية (إلى جانب دول أخرى) بإجراء تعديل جذري في مهام هذه القوات يتماشى مع التوجهات الجديدة.


في قصر بعبدا، حرص برّاك على منح الورقة صفة رسمية، قائلًا إنها صادرة بموافقة رئاستي الجمهورية والحكومة، ما ترك انطباعًا بأنه يسعى إلى تثبيت شرعيتها. إلا أن هذا الموقف جوبه باعتراض داخلي، خصوصًا من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي قلّل من دستورية الورقة وقيمتها، باعتبارها لم تُقرّ في جلسة رسمية لمجلس الوزراء.


جعجع يعمل بوضوح، وبكامل قوته، على نقل النقاش حول سلاح حزب الله إلى مجلس الوزراء، بهدف انتزاع قرار يُعطي شرعية لمواجهة مستقبلية محتملة مع الحزب. فمثل هذا القرار، إذا لم يُنفّذ، قد يُستخدم دوليًا لاتهام الحزب بالتمرّد على الدولة. كما أنه سيضع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القوى الأمنية والجيش، أمام اختبار التنفيذ.


لكن تجنّب طرح هذا الملف داخل مجلس الوزراء يعود إلى جملة أسباب تتشاركها الرئاسات الثلاث. أولها الخشية من انفجار الحكومة من الداخل إذا فُهم القرار كفرض نزع السلاح بالقوة على مكوّن أساسي، ما يعني ضرب العهد في مهده. ثانيًا، عجز الدولة فعليًا عن تنفيذ قرار من هذا النوع، وخشية من تداعياته في الشارع. وثالثًا، التخوّف من استغلال خارجي لأي قرار مماثل يُمهّد لطلب التدخل أو فرض وصاية أو ممارسة ضغوط استثنائية على الدولة اللبنانية.


في المقابل، تبدي مصادر متابعة لـ”ليبانون ديبايت” ارتياحها لموقف توم برّاك، وتنفي أن يكون هناك خطأ في الترجمة، معتبرة أن ما قاله نابع من قراءة واعية، وأنه من المبكر إصدار الأحكام، ويجب انتظار الرد الأميركي بعد الدراسة المتأنية للورقة. وترى هذه المصادر أن برّاك لعب دورًا إيجابيًا لمصلحة لبنان، وسيحاول التأثير على القرار الأميركي، مؤكدة أن الورقة فتحت نافذة حوار مع واشنطن.


غير أن هذه المصادر تتجاهل الطبيعة المراوغة للسياسة الأميركية، وتتغاضى عن تجاربها السابقة في التنصّل من الالتزامات أو التراجع عن الوعود. حصل ذلك في تموز الماضي مع زيارة المبعوث السابق عاموس هوكشتين، الذي تحدّث عن ضمانات، لتبدأ بعدها إسرائيل حملة اغتيالات لقادة حزب الله، ما شكّل تمهيدًا للحرب. وتكرّر الأمر مع الرئيس دونالد ترمب، الذي خدع إيران بالحديث عن مفاوضات، قبل أن يصغي إلى بنيامين نتنياهو ويمنحه الضوء الأخضر لشنّ حربه عليها.


هؤلاء يتجاهلون أيضًا أن بنيامين نتنياهو موجود حاليًا في واشنطن، ينتظر وصول “ورقة برّاك” (هذا إن لم تكن قد وصلت بالفعل)، ويتحضّر لدرسها بالتعاون مع الرئيس الأميركي وإدارته. من يظن غير ذلك، إما واهم أو منفصل عن الواقع. ومن يعتقد أن واشنطن لن تستثمر الورقة بما يتعارض مع مضمونها، فهو مراهق!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة