يبدو عون، بحسب زواره، بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، حزيناً على ما أصاب البلاد، لا سيما الجنوب، في المقام الأول، وحزب الله كتيار سياسي وبيئته المتأثرة من تبعات الحرب. ويتمنّى لو لم تحدث تلك الحرب في الظروف التي وقعت فيها، لكنه يعتبر أن العودة إلى الوراء ليست مجدية. يعرب الجنرال عن تضامنه الكامل مع أبناء الجنوب، ويرفض سياسة كسر أو عزل أي فريق لبناني أو الاستقواء عليه، ويفضل اعتماد سياسة الاحتواء. غير أنه يُبدي عتباً على المسار الحالي، حيث يرى أن شعار "الحرية والسيادة والاستقلال" قد تلاشى تحت وطأة التدخلات الخارجية ولم يعد له أي معنى.
يقول زوار الرئيس السابق إن "الجنرال" يميل إلى اعتبار إتفاق وقف الأعمال العدائية الساري حالياً، والذي أوقف الحرب، اتفاقاً كان من الأفضل لو ضم بنوداً أكثر وضوحاً، لأنه لم يوفّر الحماية للبنانيين من الانتهاكات الإسرائيلية، بل أبقاهم عرضة للقصف بشكلٍ دائم، وكان من الأفضل –برأيه- التوصل إلى ورقة تتيح للبنان هامش حماية أكبر أمام الغطرسة الإسرائيلية.
يعدّد زوار الرئيس، مجموعة من المخاطر التي يراها تهدّد لبنان، من الاعتداءات الإسرائيلية، إلى السياسات الداخلية القائمة على استقواء أطراف على أخرى، وصولاً إلى ملف النزوح السوري وما له من تداعيات، بالإضافة إلى التغيرات الحاصلة في سوريا، ويشيرون بأنها لا تشعر المتابع بأي ارتياح تجاهها. لكنهم يرون أن الخطر الأكبر يكمن في تسلل أنماط التطرّف إلى المجتمعات اللبنانية، وخصوصاً المسيحية منها، في ظل خطابات مشحونة. ومع ذلك، يراهن عون على وعي الناس في الانتخابات المقبلة لتجاوز هذا النوع من الخطاب الذي يضر كثيراً بالتاريخ المشترك بين اللبنانيين.
الاستحقاقات الانتخابية، سواء البلدية أو النيابية، تحظى باهتمام كبير لدى عون، حيث يبدي إهتماماً في متابعتها والتشارك في وجهات النظر حولها مع قيادة التيار، ويطّلع على مجريات الأمور ويقدّم وجهة نظره، ويساهم حيث يجب، وسط محاولات واضحة لجمع كل اخصام التيار السياسيين لمواجهته في الانتخابات، وهو ما يُملي على التيّار "لم الشمل".
يُعدّ ملف النزوح السوري من أبرز التحديات التي تثير قلق الرئيس السابق ميشال عون، لما يحمله من تهديدات جيوسياسية وديموغرافية تطال لبنان، فضلاً عن انعكاساته الأمنية والتوظيف الدولي المتزايد لهذا الملف. هذه المخاوف الواقعية على مستقبل البلاد تتزايد، خصوصاً في ظلّ مؤشرات تفيد بأن القيادة السورية الجديدة لا تُبدي رغبة جدية في استعادة النازحين، بل تفضّل بقاءهم في أماكن وجودهم الحالية.
هذا الواقع ألقى بثقله على أداء التيار الوطني الحر، ودفعه إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة، تجلّى بوضوح في الخطاب الأخير لرئيس التيار النائب جبران باسيل، الذي انتقد بلهجة حادة خيار إلزام لبنان بالإبقاء على النازحين، معتبراً أن "لبنان يواجه اليوم احتلالًا من نوع جديد ويجب مواجهته بالمطالبة بانسحابه"، متهماً الأمم المتحدة –ضمناً- "أنها تُمارس وصاية دولية على لبنان عن طريق المفوضّية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR" واصفاً ذلك بأنه "إعتداء واضح على سيادتنا الوطنية وقرارنا المستقل وعلينا مواجهته برفض الوصاية"، ليختم بإسداء وعد بأننا "كما حرّرنا لبنان من الإحتلال السوري مرّة، سنحرّره مرّة جديدة من هذا الإحتلال المقنّع بالعمل الإنساني".
تمتلك قيادة التيّار الجرأة الكاملة للإعلان عن وجود نية دولية لتوظيف ملف النزوح ضمن أجندة إقليمية أوسع، تُستخدم كورقة ضغط في سياق متغيّرات يشهدها الإقليم. ولم يعد سراً أن "التيّار" وطّن نفسه على كشف خفايا هذا المشروع واضعاً نفسه في صورة ما قد يترتب على ذلك من كلفة سياسية في المرحلة المقبلة.