خاص ليبانون ديبايت

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الأربعاء 14 أيار 2025 - 07:06 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

“أبو مازن” يريد توريط العهد والدولة

“أبو مازن” يريد توريط العهد والدولة

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح


يستعد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) لزيارة بيروت أواخر الشهر الجاري، في خطوة تبدو للوهلة الأولى سياسية، لكنها تنطوي على أبعاد أمنية دقيقة، أبرزها محاولة تحريك ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات. هذا الملف المزمن، الذي يتداخل فيه المحلي بالإقليمي، يعود اليوم إلى الواجهة وسط ظروف متشابكة، ويطرح تساؤلات مشروعة حول دوافع طرحه وتوقيت ذلك الطرح، فضلًا عن قدرات الأطراف المعنية على تنفيذ أي مقاربة عملية له.


بحسب المعطيات المتداولة، فإن “أبو مازن” ينوي طرح ملف السلاح بوصفه بنداً مركزياً في جدول أعمال زيارته مع السلطات اللبنانية. وقد سبق الزيارة المرتقبة تحركات لافتة تولتها شخصيات فلسطينية محسوبة على السلطة، ويُحكى عن وجود شخص قريب جداً من أبو مازن، يجول منذ أيام في بيروت طارحاً صيغاً للحل ومستطلعاً الموقف الرسمي اللبناني من طروحات سبق أن وُزّعت في الإعلام تحت شعار “مشروع أبو مازن لحل السلاح الفلسطيني داخل المخيمات”. أما الشخصيات التقليدية التي تتحرك بدورها بعيداً عن الإعلام، فاقتصرت على إجراء جولات تمهيدية مع القوى الأمنية والسياسية اللبنانية، حاملة أفكاراً وصيغاً أولية لمعالجة السلاح في المخيمات، يُفترض أن تُستكمل برؤية متكاملة تُعرض خلال اللقاءات الرسمية.


لكن القراءة المتأنية لهذه التحركات تكشف أن الحديث عن “خطة متكاملة” أو “حل نهائي” لا يزال يفتقر إلى الحد الأدنى من الواقعية. فالسلطة الفلسطينية، وبالرغم من كونها – افتراضاً – الجهة الشرعية الممثلة للفلسطينيين، لا تملك عملياً خاصية السيطرة الأمنية على معظم المخيمات، ولا تمون على قرار الفصائل الفلسطينية من خارج “منظمة التحرير”، وخصوصاً تلك التي تنتمي إلى “تحالف القوى الفلسطينية” التي تشكل تقليدياً القوى المناهضة للسلطة وتمارس فعل المقاومة على الأرض، بالإضافة إلى التيارات الإسلامية التي تنتشر بكثافة ولديها نفوذ واسع، لاسيما داخل مخيمات الجنوب.


هنا يبرز سؤال جوهري: من هي الجهة الفلسطينية التي يمكن أن تتعهد رسمياً بتسليم السلاح أو ضبطه داخل المخيمات؟ هل هي السلطة نفسها عبر “منظمة التحرير”؟ أم حركة “فتح”؟ أم أطراف أخرى غير منضوية تحت لواء المنظمة؟

واقع الحال أن السلطة - وعلى رأسها حركة “فتح” - تعاني من تآكل نفوذها داخل المخيمات، حيث تتوزع السيطرة بين مجموعات مسلحة متفرّعة عنها، جانب منها تحظى رام الله بهامش من السيطرة عليه، وأخرى لا مرجعية للقيادة عليهم، وهي تشكيلات متعددة ومعقدة، تبدأ بمجموعات محمود عيسى “اللينو”، ولا تنتهي بـ”الكفاح المسلح” الذي يأمره القيادي منير المقدح، و”سرايا شهداء الأقصى”، “قوات العاصفة”، والمجموعات التي تدور في فلك القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان. هذا الواقع يُفرغ أي تعهد فلسطيني رسمي من مضمونه العملي، ما لم يسبقه توافق داخلي فلسطيني شامل، وهو ما لم يظهر حتى الآن.


في المقابل، تُبدي السلطات اللبنانية نوعاً من الحذر إزاء ما يُطرح من أفكار فلسطينية. فالتجربة اللبنانية مع ملف المخيمات شديدة التعقيد والحساسية، إذ يستحضر اللبنانيون ذاكرة الصراع المسلح والتداخل الأمني الذي لطالما شكّل تحدياً لسيادة الدولة. وبالتالي، فإن أي مقاربة تنطوي على تحميل الدولة اللبنانية عبء تنفيذ خطة نزع سلاح لم تُصغ بتوافق فلسطيني حقيقي، قد تتحول من فرصة لتحقيق مكتسبات إلى فخ سياسي وأمني قد يورّط الدولة في بركة رمال اسمها المخيمات، ما يُخشى أن ينفجر نزاعاً يكاد يكون أسوأ مما جرى في نهر البارد عام 2007.


الأخطر أن السلطة الفلسطينية تبدو وكأنها تسعى، من خلال طرح ملف السلاح في هذا التوقيت، إلى منح الغطاء السياسي للسلطات اللبنانية للتحرك داخل المخيمات، دون أن يكون للسلطة عبر منظمة التحرير أي دور تقني أو لوجستي – ميداني، فقط ينحصر دورها في توفير الضمانات لتجنب انفجار الوضع ميدانياً.


من غير المستبعد أن تكون للخطوة أبعاد تتجاوز الإطار الأمني الداخلي. فالسلطة الفلسطينية تواجه حرجًا متزايدًا على الساحة العربية والدولية، في ظل تعثر مشروعها السياسي وتراجع شعبيتها، خصوصاً بعد صعود تيارات المقاومة واحتدام المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي. من جهة أخرى، تبدو السلطة منخرطة في مشروع أكبر منها، يمثل رغبة في إنهاء سلاح المقاومة، حيث تطرح السلطة نفسها بديلاً شرعياً عن “حماس” فوق ركام قطاع غزة. في هذا السياق، قد يكون تحريك ملف السلاح في لبنان محاولة لتعميم مشروع انخراطها في غزة إلى لبنان، وفي السياق نفسه لتحسين صورتها كـ”شريك في الاستقرار”، أو لإعادة توجيه الأنظار نحو دورها الإقليمي.


بالمقابل، فإن الدولة اللبنانية مطالبة بالحذر، وتحديد شروط واضحة لأي تعاون في هذا الملف، تبدأ بتوافق فلسطيني داخلي يسبق أي تحرك لبناني على الأرض، وتشمل خريطة طريق تراعي الخصوصية السياسية والأمنية للمخيمات، وتضمن الحد الأدنى من التفاهم بين القوى الفلسطينية المختلفة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة