في تشرين الأول 2019، وعند احتدام الأزمة السياسية جراء اندلاع انتفاضة 17 تشرين، سارع رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام إلى إصدار بيان واضح دعماً للرئيس سعد الحريري، أكدوا فيه "التضامن الكامل" ورفض أي محاولة لاستفراده أو تحميله مسؤولية الأزمات.
وفي عام 2021، وعقب الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في قضية انفجار مرفأ بيروت، شهدنا تضامناً سنياً واسعاً تحت عنوان "الدفاع عن مقام رئاسة الحكومة"، تُرجم بزيارة الرئيس الحريري إلى السراي الحكومي، واتصال المفتي عبد اللطيف دريان بدياب مشيداً بموقفه ونزاهته.
اليوم كما الأمس، يتعرّض رئيس الحكومة نواف سلام لهجوم كلامي وشعبي مباشر من قبل مناصري “الثنائي”، على خلفية القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام الجاري، في جلسة وصفت بالتاريخية. وما زاد المشهد مأساوية، هو الصمت المُراد به خيانة من نادي رؤساء الحكومة السابقين، الذين اختاروا الابتعاد عن التضامن مع سلام، متخلين عن الموقع وتركه عرضة لهجوم سياسي يطال كرامة الموقع الميثاقي، في تناقض صارخ مع التقاليد السياسية التي كانت تحكم العلاقة بين الرؤساء.
الهجوم الشرس لم يترك مجالاً للتأويل أن الرسالة موجهة إلى رأس السلطة التنفيذية وإلى الموقع السني الأول في الدولة اللبنانية، لكن المفاجأة لم تكن في الهجوم نفسه، بل في صمت نادي رؤساء الحكومة السابقين، سعد الحريري، تمام سلام، نجيب ميقاتي وحسان دياب، طبعا باستثناء الرئيس فؤاد السنيورة الذي تجمعه بسلام "وحدة حال".
اما الرؤساء الأخرين لم يخرجوا بموقف واحد علني دفاعاً عن المقام أو تضامناً مع من يشغله اليوم. فهل تغيّر ميزان التضامن داخل البيت السني إلى هذا الحد؟ أم أن حسابات السياسة والتحالفات صارت أثقل من كرامة الموقع؟
تاريخياً وكما عرضنا في بداية المقال ك، كان أي استهداف لرئيس الحكومة يُقابل بجدار صلب من المواقف الموحّدة، باعتبار أن الهجوم يطال الموقع الميثاقي قبل أن يطال الشخص. أما اليوم، فالمشهد يعكس انقساماً عميقاً، حيث يُقاس التضامن بميزان المصالح والارتباطات، لا بميزان المبدأ.
مصادر سياسية بارزة اعتبرت، أن غياب الموقف الداعم لرئيس الحكومة من نادي الرؤساء هو إشارة سياسية واضحة، سواء أكان المقصود منها الابتعاد عن معركة سلام الحالية، أم رسالة غير معلنة بعدم تبنّي خطه السياسي. وفي الحالتين، النتيجة واحدة، وهي أن رئيس حكومة يتعرّض للإهانة في قلب ولايته ولا يجد حوله الحاضنة التي يُفترض أن تكون السند الأول، باستثناء بعض النواب السنة الذين خرجوا بتصريحات وبيانات داعمة لسلام.
من هنا، يتردد في الشارع السني سؤالاً هاماً، "إذا لم يتحرك نادي رؤساء الحكومة الآن، في لحظة استهداف مقام الرئاسة الثالثة، فمتى سيتحرّك؟"
وفي ضوء هذه المعطيات، لا يمكن إغفال خطورة استمرار هذا الصمت الذي قد يفسر في الأوساط الشعبية على أنه تهاون أو تراجع في حماية المؤسسات الدستورية. فالرئاسة الثالثة ليست مجرد موقع بل رمز استقرار وحدّة التوازن في النظام، وأي استهداف لها دون رد فعل موحد قد يفتح الباب أمام مزيد من التجاوزات والتمادي في ضرب المؤسسات.
لذلك، على نادي رؤساء الحكومات أن يعيد النظر في موقفه، ويعيد الاعتبار لقيمة التضامن المؤسسي الذي يحفظ الدولة ويعزز موقع الرئاسة الثالثة، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة التي قد تكلف لبنان غالياً في المستقبل القريب.