في بلدٍ تحوّلت طرقاته إلى مسرح مفتوح للموت، يسقط يوميًا جرحى وأحيانًا قتلى نتيجة حوادث السير، معظمهم من الشباب الذين كانوا يعلّقون أحلامهم على الغد، لكن الغد لا يأتي. بالأمس، رحل إيلي مطر على طريق كفردبيان، وبعد ساعات فقط، وقع حادث آخر بسبب تهوّر سائق، وكأن النعوش والصور السوداء أصبحت جزءًا من المشهد اليومي للبنانيين.
الأرقام التي كشفها الخبير الإحصائي في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين لـ"ليبانون ديبايت" تعكس حجم الكارثة. ففي النصف الأول من عام 2025، سُجّل 1511 حادث سير، مقارنة بـ1329 حادثًا في الفترة نفسها من العام الماضي، أي بزيادة واضحة. أما حصيلة الضحايا، فارتفع عدد القتلى من 187 إلى 249 قتيلًا، أي بنسبة تقارب 33%، فيما قفز عدد الجرحى من 1395 إلى 1734 جريحًا، بزيادة تناهز 24.3%.
هذه الأرقام، التي تخص فقط النصف الأول من العام، مرشّحة للتفاقم، إذ تُظهر بيانات غرفة التحكم المروري أن معدلات الحوادث اليومية لا تزال مرتفعة، مع سقوط قتلى وجرحى على مدار الساعة. ومع بداية شهر آب، يبدو أن منحنى الحوادث يتجه نحو تصعيد خطير، في ظل غياب أي مؤشرات على خطط إنقاذية أو معالجة جذرية.
المؤكد أن ما يحصل ليس قضاءً وقدرًا، بل نتيجة إهمال فاضح وصمت رسمي مشين: طرقات متصدّعة، إنارة شبه معدومة، قوانين غائبة، ومواطنون يقودون بتهوّر غير آبهين بحياة الآخرين. الدولة غائبة، لكن دماء الضحايا تصرخ: كفى!
أحد أصدقاء إيلي وجّه رسالة قاسية إلى المسؤولين اللبنانيين قائلًا: "دم إيلي ودماء غيره أمانة في أعناقكم، ولن يرحمكم التاريخ إذا بقيتم متفرجين". كما ناشد المواطنين: "من يقود بتهوّر، من يخالف، من يستهتر… هو شريك في القتل".
الدعوات تتكرّر لوضع خطة وطنية شاملة تشمل:
إعادة تأهيل الطرقات وإنارتها.
فرض غرامات وعقوبات صارمة على المخالفين.
إطلاق برامج توعية إلزامية للسائقين بالتعاون مع منظمات السلامة المرورية.
إجراء فحوصات دورية إلزامية لسلامة المركبات، خصوصًا سيارات النقل والشاحنات.
ما جرى مع إيلي مطر لن يكون الحادث الأخير ما لم يُكسر هذا المسار القاتل. بين غياب الدولة وإهمال البنية التحتية، وبين استهتار بعض السائقين، يدفع اللبنانيون ثمنًا فادحًا من دمائهم وأحلامهم. المشكلة ليست في معرفة الحلول، فهي معروفة وواضحة، بل في غياب الإرادة لتطبيقها… فإلى متى يبقى الموت على الطرقات قدرًا مكتوبًا؟