المحلية

ليبانون ديبايت
السبت 15 تشرين الثاني 2025 - 07:05 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

ليلة الرصاص في شاتيلا: صادر يحسمها… ليست إشكالاً بل جريمة تخريبية

ليلة الرصاص في شاتيلا: صادر يحسمها… ليست إشكالاً بل جريمة تخريبية

"ليبانون ديبايت"


في بلد لا يحقّ حمل السلاح فيه إلا للبناني وبإذن من الجيش، وتحت سلطة الجيش فقط، تتكرّر المآسي كلما خرج السلاح من الشرعية ودخل في أيدي مجموعات مسلّحة خارجة عن سيطرة الدولة. مخيم صبرا وشاتيلا، الذي وُضع تحت عنوان “ضيافة الفلسطينيين”، بات مساحة فالتة من القانون، تتصرف فيها مجموعات مسلّحة كأنها دولة داخل الدولة، إلى أن جاء يوم الخامس والعشرين من تشرين الأول 2025 حيث دفع إيليو أبو حنّا، ابن العشرين عاماً، ثمن هذه الفوضى بحياته.

ليلة الحادثة، قرّرت مجموعة فلسطينية داخل المخيم إقامة حاجز “أمني” من دون أي إذن أو تنسيق مع الدولة. وتمّ الاتفاق داخلياً على تقسيم العناصر إلى مجموعتين:


المجموعة الأولى:

أ. ن. – يحمل بندقية كلاشينكوف

إ. غ. – يحمل بندقية كلاشينكوف

ع. خ. – يحمل بندقية AKS

ب. خ. – يحمل بندقية AKS


المجموعة الثانية:

أ. ش. – يحمل كلاشينكوف

ع. م. – يحمل كلاشينكوف

س. ع. – يحمل كلاشينكوف

هـ. ح. – يحمل كلاشينكوف

ع. ق. – عنصر تفتيش غير مسلّح


تمركزت المجموعة الأولى في وسط الطريق، مقابل نقطة التفتيش الأساسية، بينما انتشرت المجموعة الثانية على الجهة الأخرى من المسرب، بحيث أصبح الطريق بين المجموعتين ممراً نارياً مغلقاً في حال حصول أي احتكاك. كان ع. خ. في مقدمة المجموعة الأولى، واقفاً في منتصف الطريق لإشارة السيارات بالتوقّف، فيما انتشر خلفه عناصر مجموعته على مسافات قصيرة. وفي الجهة المقابلة وقف أ. ش. قرب مسرب السائق وإلى جانبه ع. م.، فيما وقف س. ع. و هـ. ح. على يمين الطريق، وبقي ع. ق. غير مسلّح خلفهم.


عند الساعة 12:30 ليلاً، وصلت سيارة الجيب التي كان يقودها إيليو أبو حنّا بسرعة باتجاه الحاجز. حاول ع. خ. إيقافها من وسط الطريق، لكن السائق لم يمتثل. عندها انحرف ع. خ. نحو يمين السيارة ورفع بندقيته AKS وأطلق النار مباشرة نحو مقدمتها، فتلاه إطلاق نار من إ. غ. و أ. ن. من الجهة اليسرى، ومن ب. خ. من الجهة اليمنى. ومع زيادة سرعة السيارة واقترابها من الجهة الثانية، أطلق أ. ش. عياراً نارياً من جهة السائق، ثم تبعه إطلاق متزامن من ع. م. و س. ع. و هـ. ح.، فيما بقي ع. ق. بعيداً عن الاشتباك لأنه غير مسلّح. وهكذا صارت السيارة محاصرة بين نيران كثيفة من جهتين، وعلى مسافة قريبة جداً.


تحت وطأة الرصاص فقدت السيارة السيطرة، فانحرفت بقوة واصطدمت أولاً بدراجة نارية ثم ارتطمت بمحل لبيع الدجاج خارج المخيم، في منطقة قريبة من مكتب تابع لحركة أمل، ما دفع المجموعة إلى إصدار أمر فوري بالانسحاب إلى داخل المخيم ومنع الاقتراب من مكان الارتطام “حتى لا يحصل احتكاك مع الجوار”.


في اليوم التالي، بدأت التحقيقات الأمنية الدقيقة بإشارة واضحة من النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار لدى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني. التحقيق كشف حجم الترسانة غير الشرعية الموجودة بيد المجموعة: ستّ بنادق كلاشينكوف كاملة المواصفات، جاهزة للاستعمال، وكل واحدة تحمل رقمها التسلسلي:


– كلاشينكوف ساق حديد رقم 2203431

– كلاشينكوف ساق حديد رقم 53021986

– كلاشينكوف ساق حديد رقم 51015442

– كلاشينكوف ساق حديد رقم 50053552

– كلاشينكوف ساق خشب رقم ЖШ6211М

– كلاشينكوف ساق بلاستيك رقم AB211702


إضافة إلى خمسة مخازن سعة 30 طلقة، وممشط واحد سعة 20 طلقة، و150 طلقة من عيار 7.62 ملم. وقد أكّد الخبير العسكري أنّ هذه البنادق غير محوّرة وغير عائدة للجيش، ما يعني أنها أسلحة متفلّتة بالكامل. أما الأدلة التي وُجدت في سيارة إيليو فكانت “شرذمات نبلات غير صالحة للمقارنة”، بسبب كثافة وتنوّع مصادر إطلاق النار.


بعد اكتمال التحقيق الأمني، أحال القاضي جمال الحجار الملف إلى النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامي صادر. هنا بدأ التحوّل الجذري في الملف. فصادر، المعروف بصرامته ودقته، لم يتعامل مع الجريمة كحادث عرضي داخل مخيم، بل كعمل تخريبي إجرامي منظم نفّذته مجموعة مسلّحة تعمل خارج الشرعية. ولذلك، وصفهم في متن ادعائه بأنهم “مجموعة تخريبية منظمة”، واعتبر أن ما قاموا به هو اعتداء مباشر على الأمن اللبناني وسيادة الدولة وحق اللبنانيين بالحياة.


ولم يكتفِ صادر بالتوصيف، بل ادعى بحقهم بموادّ أقصاها الإعدام، مستنداً إلى أنّ إطلاق النار من عدة جهات، وبسلاح غير شرعي، وفي حاجز غير قانوني، وبقرار جماعي، هو جريمة قتل عمد مكتملة العناصر. وشدّد في ادعائه على أنّ هذه الأفعال ليست “ردّ فعل” ولا “خطأ تقدير”، بل نتيجة بنية مسلّحة منظمة اتخذت قراراً أمنياً خارج سلطة الدولة، ما يجعلها “مجموعة تخريبية” بكل معنى الكلمة.


ثم أحال القاضي صادر الملف إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضية ندى الأسمر لاستكمال التحقيقات القضائية. وبناءً على الوقائع الدقيقة حول أماكن تمركز كل عنصر، والسلاح المستخدم، ومسار إطلاق النار، ستصدر القاضية الأسمر مذكرات توقيف وجاهية بحق من تتظهر إدانته الواضحة في إطلاق النار أو المشاركة في الجريمة.


ويبقى أنّ كل الإجراءات القضائية والأمنية، مهما عظمت، لا تعوّض على أهل إيليو ابن العشرين عاماً. ماذا يفيد والدته أن تعرف أن البنادق المضبوطة غير شرعية؟ ماذا يعيد لوالده ابنه الوحيد؟ وكيف تُواسي عائلة رأت حياتها تنكسر بسبب قرار مجموعة مسلّحة تُقيم “ضيافة” على أرض لبنان وتتصرف كأنها فوق الدولة؟


الضيافة لا تعني حمل السلاح، ولا إقامة حواجز، ولا إطلاق النار على اللبنانيين. الدولة اللبنانية بجيشها وقضائها هي وحدها صاحبة القرار. وما لم تُستعد السيادة بالكامل، وما لم يُنزع السلاح غير الشرعي من المخيمات، سيبقى دم إيليو شاهداً أن لبنان إمّا دولة واحدة وسلاح واحد… أو فوضى دم تنتظر الضحية التالية.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة