ويرى الخبير الاقتصادي أنطوان فرح، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أنّه على عكس ما يُروَّج، فإنّ الإجراءات التي اتّخذها مصرف لبنان بموجب تعميمه الأخير ليست استثناءً، بل تُعدّ ممارسات متّبعة عالميًا. إلّا أنّ خصوصية الحالة اللبنانية تكمن في أنّ الاقتصاد النقدي يشكّل النسبة الأكبر من الحركة المالية، بخلاف الدول التي يحضر فيها النقد الورقي بنسبة ضئيلة ضمن الدورة الاقتصادية.
هذا الواقع يجعل من الرقابة المشدّدة على التداول النقدي ضرورة حتمية، برأي فرح، إذ إنّ توسّع التعاملات النقدية يرفع مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتهرّب الضريبي وسائر الجرائم المالية. ومن هنا تأتي خطوة مصرف لبنان كجزء من سلسلة إجراءات تهدف إلى إحكام الضوابط على حركة الأموال وتعزيز المتابعة الدقيقة للتحويلات النقدية.
وفي هذا السياق، يُشدَّد على أنّ التعميم لن يعرقل عمل اللبنانيين، ولا سيّما الشركات والأفراد الذين يقومون بتعاملات مالية كبيرة، لأنّ استمارة “اعرف عميلك” لا تُملأ سوى مرة واحدة فقط، وبعدها تسير العمليات بشكل طبيعي ومنتظم. وبالتالي، لا يفترض أن تثير هذه الإجراءات أي قلق لدى المتعاملين الشرعيين الذين يستخدمون “المال النظيف” ويمارسون نشاطًا واضحًا وموثّقًا.
ويُعوَّل على أن تتكامل هذه الإجراءات مع أي حلّ مالي مرتقب، بما يسمح بعودة القطاع المصرفي إلى دوره الطبيعي وتراجع حجم الاقتصاد النقدي إلى مستويات يمكن ضبطها بسهولة. أمّا اليوم، وفي ظلّ استمرار الانهيار، فإنّ التشدّد الرقابي يبقى السبيل الأساسي للخروج من دائرة الشبهات المالية وتقليص الفوضى التي غذّت الأزمة خلال السنوات الماضية.