اقليمي ودولي

الأربعاء 21 أيار 2025 - 12:08

ضغوطٌ دولية وداخلية تُهدد استقرار حكومة نتنياهو

ضغوطٌ دولية وداخلية تُهدد استقرار حكومة نتنياهو

في مشهد متسارع باتت حكومة بنيامين نتنياهو في مرمى الضغوط الدولية والإسرائيلية على حد سواء، حيث تتصاعد أزمة غير مسبوقة تهدد استمرارها في السلطة.


فبين عواصم الغرب التي تستدعي سفراء تل أبيب، وتعليق اتفاقيات، وفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين، وبين غضب متزايد في الشارع الإسرائيلي الرافض للحرب المستمرة في غزة، تتسع الهوة بين الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الدولي، وتتصاعد التساؤلات حول مصير الحكومة: هل اقتربت نهاية عهد نتنياهو؟ وهل ستطيح بها التداعيات السياسية للحرب، أم يعصف بها الانقسام الداخلي المتصاعد؟


كانت المملكة المتحدة من أولى الدول التي اتخذت خطوات غير معهودة في علاقتها مع تل أبيب، إذ استدعت السفيرة الإسرائيلية في لندن، وجمّدت مفاوضات التجارة الحرة، وفرضت عقوبات على عدد من المستوطنين. وجاءت هذه الخطوات بعد وصف لندن لـ"الاستخدام غير الأخلاقي للقوة" في غزة، وانتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية.


ولم تقتصر المواقف الأوروبية على هذا الحد، إذ توالت الدعوات في بروكسل وستوكهولم وباريس لمراجعة اتفاق الشراكة الأوروبية-الإسرائيلية، لا سيما في مجالات البحث العلمي والتكنولوجي، ما يعكس تراجعاً ملموساً في العلاقات السياسية والتجارية.


وفي تحليل لتصاعد هذه الأزمة، أكد الباحث السياسي فراس ياغي خلال استضافته في برنامج "غرفة الأخبار" على قناة سكاي نيوز عربية أن "المحيط قد فاض، وليس فقط طفح الكيل"، في إشارة إلى أن سلوك حكومة نتنياهو تجاوز القدرة على التحمل، حتى من قبل أقرب حلفائها.


على الصعيد الأميركي، ومع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، بدأت تظهر إشارات واضحة لتبدل في الموقف الأميركي تجاه الحرب في غزة. ووفقًا لموقع "أكسيوس"، طلب ترامب من مساعديه إيصال رسالة مباشرة إلى نتنياهو بضرورة إنهاء العمليات العسكرية، وهو ما اعتبره ياغي تحولاً مفصلياً في تعاطي الإدارة الأميركية مع الأزمة، خصوصاً أن ترامب يقود مشروعًا إقليمياً لإعادة هندسة العلاقات في الشرق الأوسط، توّج سابقًا باتفاقيات أبراهام.


يرى ياغي أن استمرار الحرب يعطل هذا المشروع، ويدفع ترامب إلى اعتبار نتنياهو عقبة أمام خطة السلام الإقليمي، لا شريكًا سياسيًا موثوقًا به، مضيفًا: "نتنياهو لم يعد يستجيب لأحد. إنه يدير حربًا لأجل نفسه، وليس من أجل إسرائيل".


الوضع الداخلي لا يبدو أفضل حالاً من الخارجي، فبحسب استطلاعات الرأي، فإن ما يقرب من 70 بالمئة من الإسرائيليين يطالبون بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى. ومع ذلك، تصرّ الحكومة على نهجها، ما دفع ياغي لوصفها بأنها "حكومة أقلية داخل إسرائيل، رغم أنها تمتلك أغلبية برلمانية".


واعتبر ياغي أن هذا الانفصام يعكس أزمة شرعية عميقة، تتجاوز الحسابات الحزبية لتصل إلى تهديد الاستقرار المؤسساتي في الدولة العبرية. ويشير إلى أن نتنياهو يسعى لصناعة إرث سياسي مختلف، يمحو من خلاله تاريخه الملوث بملفات الفساد وخيانة الأمانة، لكنه "يستخدم الحرب كغطاء لتلميع نفسه، فيما إسرائيل تنهار سياسياً ودبلوماسياً".


الصحافة الإسرائيلية نفسها لم تعد تغفر لنتنياهو، فقد كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت أن "إسرائيل تهزم نفسها بنفسها"، في توصيف حاد لما اعتبرته فشلاً استراتيجياً يمتد من الجبهة العسكرية إلى حلبة السياسة الخارجية.


الحصار المفروض على غزة، والذي استخدمته إسرائيل كأداة لإضعاف حركة حماس، بات يرتد عليها، إذ تزايدت الدعوات في العواصم الغربية لإدخال مساعدات إنسانية عاجلة، مع تحذيرات أممية من مجاعة تلوح في الأفق.


في هذا الإطار، يقول ياغي: "إسرائيل تُجبر الآن على إدخال المواد الغذائية، ليس رحمة بسكان غزة، بل خوفًا من خسارة أصدقائها القلائل الباقين".


ويقرأ ياغي تحول الموقف الأميركي ضمن سياق أوسع يتعلق بطبيعة المرحلة التي يريد ترامب ترسيخها في المنطقة، حيث عقد انفتاحات مع إيران وتواصل مع الحوثيين، بات واضحًا أن الرئيس الأميركي يسعى إلى تقليص بؤر التوتر، لا إشعالها. وفي هذا السياق، يصبح نتنياهو، بحسب ياغي، عائقًا لا يمكن تجاهله.


ويتابع: "ترامب يعرف أنه لا يستطيع المضي في توسيع اتفاقيات أبراهام مع استمرار هذه الحرب. هو يريد منطقة مستقرة، ونتنياهو يريد إرثًا شخصيًا على حساب الجميع".


على المستوى الاستراتيجي، تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة، تتجاوز الميدان العسكري، كما يوضح ياغي: "إسرائيل تخسر المجتمع الدولي، وتخسر الإقليم، وتخسر حلفاءها التقليديين".


حتى على الصعيد الداخلي، فإن الصحفي الإسرائيلي الشهير أموس هاريل كتب: "نتنياهو ينتحر ويأخذ إسرائيل معه إلى الهاوية".


رغم تماسك الائتلاف الحاكم ظاهريًا، إلا أن هشاشته تتزايد، لا سيما في ظل الخلاف المحتدم حول "قانون التجنيد"، حيث ترفض التيارات الدينية المتشددة (الحريديم) الانخراط في الخدمة العسكرية، وهو ما قد يؤدي إلى انسحابها من الحكومة إذا لم تُقدم إعفاءات قانونية.


وحول ذلك، يرى ياغي أن هذا الملف بالذات قد يكون "المسمار الأول في نعش الحكومة"، إذا أحسنت المعارضة استخدامه لتفكيك التحالفات الهشة داخل الكنيست.


ورغم تصاعد الاحتجاجات في الشارع، تبدو المعارضة السياسية عاجزة حتى الآن عن استثمار اللحظة التاريخية، ويشير ياغي إلى أن إسقاط الحكومة لن يتم عبر التظاهر وحده، بل يحتاج إلى توافق برلماني دقيق على صيغة قانونية تُحرج الائتلاف.


وفي هذا السياق، يبقى قانون التجنيد أداة محتملة للتفجير السياسي، إذا ما أحسنت المعارضة توظيفه.


في ظل هذا المشهد المعقد، لا يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قادرة على الصمود طويلاً دون دفع ثمن باهظ، داخليًا وخارجيًا، إذ يضغط العالم، وتغيّر الموقف الأميركي، ويضيق الشارع الإسرائيلي ذرعًا، بينما نتنياهو يبدو كمن يهرب إلى الأمام غير آبه بما يتركه من خراب وراءه.


فهل نحن أمام بداية العد التنازلي لنهاية حكومة نتنياهو؟ وهل يقود الداخل الإسرائيلي هذه المرة مسار التغيير، مدفوعًا بزخم دولي غير مسبوق؟

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة