المحلية

placeholder

وليد خوري

ليبانون ديبايت
الأحد 25 أيار 2025 - 10:08 ليبانون ديبايت
placeholder

وليد خوري

ليبانون ديبايت

حزب الله: من الذراع الاستراتيجية إلى الأزمة والانهيار

حزب الله: من الذراع الاستراتيجية إلى الأزمة والانهيار

"ليبانون ديبايت" - وليد خوري

حتى خريف عام 2024، وتحديدًا في السابع من تشرين الأول، كان يُنظر إلى حزب الله في لبنان كأهم وأقوى أذرع النظام الإيراني في المنطقة. فقد اعتمدت طهران عليه كقوة تنفيذية متقدمة في مشروعها الإقليمي، تمكّنها من التأثير في التوازنات الداخلية اللبنانية وفرض معادلات جديدة في صراعات الشرق الأوسط، وخصوصًا في ما يُعرف بـ”محور المقاومة”. غير أن هذا الواقع تبدّل جذريًا بعد الهجوم الكبير الذي نفذته حركة حماس على إسرائيل، وما تبعه من تصعيد عسكري إقليمي غير مسبوق.


لطالما شكّل حزب الله الذراع العسكرية والسياسية الأكثر فاعلية لإيران خارج حدودها. فبفضل تمويل ضخم وتسليح نوعي وتدريبات متقدمة على يد الحرس الثوري الإيراني، تحوّل الحزب إلى قوة تتجاوز قدرات الدولة اللبنانية نفسها. وتمكّن من ترسيخ حضوره في المعادلة اللبنانية بقوة السلاح، ولعب أدوارًا محورية في النزاعات الإقليمية، من سوريا إلى اليمن، مرورًا بالعراق وغزة. لكن بعد 7 تشرين الأول، طرأ تحوّل لافت في ديناميكية عمل الحزب، إذ عمد إلى تصعيد عملياته ضد شمال إسرائيل، مستخدمًا الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، ومهدّدًا بفتح جبهة شاملة، في محاولة لتثبيت موقعه القيادي ضمن المحور، وتعويض ما فقدته إيران من أدوات نفوذ في غزة والضفة الغربية.


إلا أن الرد الإسرائيلي جاء عنيفًا وحاسمًا. فقد شنّ الجيش الإسرائيلي سلسلة عمليات جوية وبرية ممنهجة، استهدفت عشرات المواقع الحساسة التابعة للحزب في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، ما أسفر عن تدمير بنى تحتية عسكرية، ومخازن أسلحة، ومراكز قيادة وسيطرة. وكانت الضربة الأكثر إيلامًا استشهاد الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، إلى جانب عدد من كبار القادة الميدانيين، الأمر الذي خلّف فراغًا قياديًا هائلًا، وانهيارًا واسعًا في الروح المعنوية لدى كوادر الحزب. ومع تشديد العقوبات المالية، ووقف قنوات التمويل، تراجعت قدرة الحزب على التعويض اللوجستي والبشري، ما فاقم من أزمته البنيوية.


في الداخل اللبناني، ازدادت أزمة الحزب تعقيدًا. إذ يواجه رفضًا شعبيًا متناميًا في بيئة سياسية واجتماعية منهارة، حيث تعيش البلاد أزمة اقتصادية حادة وانهيارًا شاملًا في الخدمات العامة ومؤسسات الدولة. وفي نظر شريحة واسعة من اللبنانيين، يُعدّ حزب الله عقبة أساسية أمام أي مشروع إصلاحي حقيقي، ومسؤولًا مباشرًا عن عزلة لبنان وتدهور علاقاته العربية والدولية. اللافت أن موجة الغضب تجاوزت البيئة المعارضة للحزب، وبدأت تظهر بوادر تململ حتى في مناطقه الحاضنة، خصوصًا في الجنوب والبقاع، حيث ترتفع الأصوات الرافضة لتوريط المجتمع الشيعي في مغامرات عسكرية غير محسوبة العواقب.


إقليميًا، لم يكن المشهد أكثر إشراقًا. فالمشروع الإيراني يواجه اليوم تحديات جوهرية، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتراجع حلفاء طهران في غزة وصنعاء، وتزايد الضغوط الدولية على إيران في ملفها النووي. هذه المتغيرات قلّصت من قدرة طهران على تمويل ودعم حزب الله، ما جعله في موقع دفاعي استثنائي، وفتح الباب أمام تساؤلات جدية عن جدوى استمراره بوظيفته الحالية، في ظل بيئة داخلية وخارجية معادية. وهو ما قد يدفع قيادة الحزب إلى مراجعة استراتيجية شاملة، تشمل تقليص تدخله الإقليمي والانخراط في حوار داخلي للحفاظ على ما تبقى من نفوذه السياسي في لبنان.


لقد تغيّر المشهد. فالحزب الذي كان لعقود “اليد الضاربة” لطهران في المشرق العربي، وجد نفسه محاصرًا: من دون غطاء خارجي فعّال، وبلا شرعية شعبية كافية، وتحت ضغط دولي كثيف. وللمرة الأولى، يُطرح بجدية مستقبل هذه البنية العسكرية – السياسية التي فُرضت بقوة السلاح، ويبدو أن نهاية هذا النموذج أصبحت أقرب من أي وقت مضى.


تُظهر التجربة أن الأنظمة العميقة والعابرة للحدود، المبنية على أذرع عسكرية غير خاضعة للدولة، غير قابلة للإصلاح أو الاحتواء. فاستقرار المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تفكيك هذه البُنى الموازية، واستعادة الدولة الوطنية لصلاحياتها، ونقل السلطة إلى بدائل ديمقراطية شعبية تعبّر عن إرادة المجتمعات، لا عن قرارات العواصم الأجنبية.




تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة