أبرز تلك التصريحات جاء على لسان رئيس الحزب، الدكتور سمير جعجع، الذي قال بلهجة حاسمة: "ع زحلة ما بفوتوا، لا فاتوا ولا رح يفوتوا هلّق ولا بعدين"، في إشارة واضحة إلى استبعاد بقية القوى السياسية من أي تمثيل أو تأثير في المدينة، وكأن زحلة باتت ملكًا حصريًا لهم.
غير أن هذا الخطاب المتشدد والمتعالي تبدّل بشكل دراماتيكي عند أول خسارة انتخابية تعرّض لها الحزب، وتحديدًا في جزين، حيث مُني بهزيمة قاسية بنتيجة تُقارب "Double Score"، أي بفارق كبير شبيه بذلك الذي تباهت به "القوات" في زحلة.
هنا تغيّر الخطاب بين ليلة وضحاها، فجاءت النغمة مختلفة تمامًا على لسان النائبة غادة أيوب، التي نشرت عبر منصة "X" منشورًا تدعو فيه إلى طيّ صفحة الانتخابات، ومدّ اليد إلى الجميع "تحقيقًا للإنماء المطلوب"، على حدّ تعبيرها.
فما هذا التناقض الصارخ في الخطاب؟ هل الإنماء ومدّ اليد لا يصبحان ضروريين إلا في حال الخسارة؟ وهل المصالحة والتعاون بين القوى السياسية لا تكون مطلوبة إلا عندما تجد "القوات" نفسها خارج اللعبة؟
يبدو جليًا أن الحزب يتبع خطابين: خطابًا انتصاريًا متعاليًا عند الفوز، وخطابًا تصالحيًا عند الهزيمة. وهذه الازدواجية ليست فقط دليلًا على غياب الثبات السياسي، بل تعكس منطقًا انتهازيًا في التعاطي مع التحالفات والمواقف.
إن حزبًا يفاخر بإقصاء الآخرين عند الانتصار، ثم يمدّ يده عند الخسارة، يصعب الوثوق بأنه يعمل فعليًا لأجل الإنماء أو الصالح العام. فالقضية ليست بلدية زحلة ولا بلدية جزين، بل تكمن في خطورة ازدواجية الخطاب وانعدام الثبات في المبادئ.
المطلوب اليوم خطاب سياسي واحد، ناضج ومتّزن، لا يتلوّن وفق نتائج صناديق الاقتراع، بل يستند إلى قناعة حقيقية بالشراكة والعيش المشترك.
فزحلة ليست حكرًا على أحد، وجزين ليست بوابة للترضية، والسياسة ليست ملعبًا للمواقف الموسمية.