ما تزال الأنظار تتجه إلى نتائج جولات التفاوض المتعاقبة بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، مع غياب حل آني في الأفق.
بالتوازي، يتصاعد الحديث منذ أيام حول استعداد إسرائيل لتوجيه ضربة جوية واسعة تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، في حال انهيار المفاوضات.
ولا تزال جولة سادسة من المفاوضات بوساطة عمانية قيد التنسيق، وفق مسؤولين إيرانيين تحدثوا إلى وكالة "رويترز".
وتتباين مواقف الطرفين، بين وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمحادثات بأنها "جيدة للغاية"، فيما يؤكد الإيرانيون أن أي اتفاق لا يحترم "حقوق إيران الكاملة" في التخصيب ورفع العقوبات سيكون مرفوضًا بالكامل.
تتمحور نقاط الخلاف بين الجانبين حول القضية الأساسية وهي تخصيب اليورانيوم.
قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، إن بلاده لن تقبل بتجميد التخصيب حتى لو كان لثلاث سنوات، رافضًا فكرة اتفاق مرحلي مؤقت مع واشنطن، ومبيّنًا أن "إيران تنتظر ردا أكثر وضوحًا من الوساطة العمانية".
وأضاف بقائي في مؤتمر صحافي الإثنين، أن طهران تعتبر منع تخصيب اليورانيوم، وهو أمر يدعو إليه بعض المسؤولين الأميركيين، "خطًا أحمر" في المفاوضات.
في المقابل، أكد موفد واشنطن إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي يترأس وفد بلاده في المباحثات مع طهران، أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تسمح لإيران بأن تملك ولو 1 بالمئة من القدرات النووية.
يمثل تخصيب اليورانيوم حجر الأساس في المفاوضات، والنقطة المفصلية للخلاف، إذ تواجه إيران اتهامات برفع مستوى التخصيب، بينما تريده الولايات المتحدة صفرًا أو معلقًا.
في شباط الماضي، ذكر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران زادت بطريقة "مقلقة للغاية" مخزوناتها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، القريبة من عتبة 90 بالمئة اللازمة لصنع سلاح نووي.
وأوضح التقرير أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء تصل إلى 60 بالمئة، زاد بشكل حاد منذ أن أعلنت طهران عن تسريع التخصيب في كانون الأول الماضي.
وفي ذات الشهر من العام الماضي، أظهر تقرير سري للوكالة أن طهران باشرت تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة داخل منشأة "فوردو"، مما سيؤدي، بحسبها، إلى زيادة كبيرة في إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب.
وتجاوزت إيران بشكل كبير حد الـ3.67 بالمئة الذي نص عليه اتفاق 2015 النووي مع القوى الغربية الكبرى، والذي انسحبت منه واشنطن في 2018. وقد ردت طهران على الخطوة بإعلان عدم التزامها بمضمون الاتفاق.
وبحسب الخبراء، فإن تخصيب اليورانيوم ابتداءً من 20 بالمئة قد يكون له استخدامات عسكرية، علماً أن النسبة المطلوبة لصنع قنبلة نووية هي 90 بالمئة.
قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، يوم الإثنين، إن إيران لن تحتاج إلى أحد إذا انتهت المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة دون التوصل إلى اتفاق، مشددًا على قدرة بلاده على الصمود وتجاوز العقوبات، في وقت تتواصل فيه المحادثات وسط مؤشرات متضاربة.
وأضاف بزشكيان في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إيرانية رسمية: "ليس الأمر كما لو أننا سنموت جوعًا إذا رفضوا التفاوض أو فرضوا عقوبات.. لدينا مئات الطرق للصمود"، معتبرًا أن بلاده "لن تخضع لابتزاز دبلوماسي".
وعلق الباحث العراقي رائد الحامد على تصريحات الرئيس الإيراني قائلاً إن "40 عامًا في مواجهة شتى أنواع العقوبات، ومع هذا ظلت إيران وفية لحلفائها وأذرعها".
شابت جولة المفاوضات الخامسة في روما أجواء من التوتر. وكشف مسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية أن الجولة كادت أن تكون الأخيرة لولا تدخل وزير الخارجية العماني بدر البو سعيدي لإنقاذها.
وقال المسؤول إن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف هدّد الإيرانيين بأن عدم قبولهم بوقف تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، سيجعل المفاوضات دون جدوى، وفق صحيفة "الجريدة" الكويتية.
كما لوّح ويتكوف بإمكانية أن تنهي واشنطن الجدل عبر تدمير المنشآت المرتبطة بالتخصيب، مشيرًا إلى أن عدم التفاهم على هذا الملف مع إسرائيل قد يدفع الأخيرة لشنّ عمل عسكري دون الرجوع لواشنطن.
وأشار المصدر إلى أن عباس عراقجي سلّم ويتكوف ملفًا يحتوي على إحداثيات تتعلق بأسلحة نووية وبيولوجية وكيميائية إسرائيلية، مهددًا بتدميرها في حال استهداف المنشآت الإيرانية.
وشدد عراقجي على أن طهران لا تسعى للحرب، لكنه حذّر ترامب من استمرار دعم "جنون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"، مؤكدًا أن إيران سترد على القواعد الأميركية في حال تعرّضها لأي اعتداء.
كما نبّه إلى أن إعادة فرض العقوبات عبر آلية "سناب باك" لن يضمن بقاء طهران في معاهدة حظر الأسلحة النووية، أو التزامها بعقيدتها النووية الحالية.
ذكر الباحث في الشأن الإيراني عبد القادر الفايز أن الجولة الخامسة شهدت طرح مقترحين: الأول يقوم على شراكة إقليمية في تخصيب اليورانيوم، تشمل دولاً خليجية، وقد توافق طهران عليه مبدئيًا.
أما الثاني، فينص على وقف مؤقت للتخصيب في إيران لمدة 6 أشهر، وهو ما يُرجّح أن ترفضه طهران.
يدعم الرئيس الأميركي دعواته لإيران للتوصل إلى اتفاق، بتهديد باستخدام القوة في حال فشل المسار الدبلوماسي.
وتتابع إسرائيل المفاوضات باهتمام، كونها من أكثر الأطراف قلقًا من حصول إيران على سلاح نووي.
وفي نيسان الماضي، دعا بنيامين نتنياهو إلى اتفاق يمنع إيران من أي قدرة على تخصيب اليورانيوم أو تطوير الصواريخ.
وذكرت صحيفة "نيوزويك" أن الاستخبارات الأميركية كشفت عن دلائل تشير إلى استعداد إسرائيل لشن هجوم محتمل على منشآت إيران النووية.
ورأت الصحيفة أن خطوة كهذه قد تؤدي إلى انهيار المفاوضات وربما اندلاع نزاع أوسع في الشرق الأوسط، ما يشكل انفصالًا حادًا عن الجهود الدبلوماسية التي ترعاها سلطنة عمان.
قال الحرس الثوري الإيراني، اليوم السبت، إن "يده على الزناد"، وإنه مستعد لتوجيه رد "حاسم يتجاوز التصور" على أي عمل عدائي من قبل "العدو".
وأضاف البيان أن الرد "لن يجعل المعتدين يندمون بشدة فحسب، بل سيغير أيضًا معادلات القوة لصالح جبهة الحق"، بحسب تعبيره.
كما توعدت هيئة الأركان العامة للجيش الإيراني بالرد على أي عمل "خاطئ" ضد البلاد بحزم وقوة.
وأكد المتحدث باسم الحرس الثوري العميد علي محمد نائيني أن "أي حماقة من قبل إسرائيل ستُقابل برد مدمر".
من جهته، حذّر رئيس أركان القوات المسلحة الجنرال محمد باقري من أن "أي توغل للولايات المتحدة في المنطقة سيؤدي بها إلى مصير مشابه لما واجهته في فيتنام وأفغانستان".