وفي هذا الإطار، يؤكد الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، د. خالد الحاج، لـ"ليبانون ديبايت"، أن "المواقف الأخيرة التي صدرت عن رئيس الحكومة لا يمكن قراءتها خارج سياق خطاب القسم الذي ألقاه فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، والذي يُفترض أن يشكّل خارطة الطريق السياسية والأخلاقية للعهد الرئاسي الجديد".
ويقول الحاج: "هذا التلاقي بين رئاستي الجمهورية والحكومة يُعبّر، في جوهره، عن لحظة سياسية نادرة في لبنان، تتجلى في محاولة بلورة رؤية سيادية متوازنة تُعيد تموضع الدولة اللبنانية ضمن إطار يحفظ سيادتها واستقلال قرارها، من دون الانجرار إلى محاور متصارعة أو الارتهان لاصطفافات عابرة".
ويضيف: "من هذا المنطلق، لا يبدو الهجوم الحاد الذي شنه حزب الله على تصريحات رئيس الحكومة مبررًا، خصوصًا وأن رئيس الحكومة قدم قراءة واقعية وتحليلية للتحولات الجارية في المنطقة، ولا سيما في السياسة الإيرانية ذاتها، التي تُعد الحاضن الأوسع والأعمق للحزب".
ويوضح أن "عندما يتحدث رئيس الحكومة عن انتهاء عصر تصدير الثورة الإيرانية، فهو يُحيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى نقاش داخلي عميق يدور في إيران نفسها قبل أن يطال لبنان، سواء على مستوى مراكز الأبحاث أو بين النخبة الحاكمة وشخصيات سياسية بارزة. وهو نقاش لم يعد سريًا ولا هامشيًا، بل بات حاضرًا في العديد من التقييمات الرسمية الإيرانية".
ويشير الحاج إلى أن "إيران اختارت أو بدأت على الأقل مسارًا جديدًا عنوانه "تصفير المشاكل" مع دول الجوار، والانفتاح المدروس على المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج، وهذا التحول لا يبدو تكتيكًا مرحليًا فحسب، بل يُعد جزءًا من إعادة تعريف إيران لذاتها في ضوء التحديات الاقتصادية الداخلية، وتبدلات النظام الدولي، والحاجة إلى حماية أمنها القومي، والخروج من نهج تصدير الثورة".
ويشدد على أن "انطلاقًا من هذه القراءة، فإن موقف رئيس الحكومة يُعبّر عن قناعة بأن لبنان لا يمكن أن يبقى ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين، أو واجهة لتصفية الحسابات الإقليمية، في وقت لم تعد فيه حتى القوى الراعية لهذه المعارك متمسكة بالنموذج القديم".
لكنه يلفت في الوقت ذاته إلى أنه "لا يمكن تجاهل الطابع العقائدي العميق الذي يحكم نظرة حزب الله إلى سلاحه ودوره، فالمعادلة بالنسبة للحزب ليست مسألة سياسية أو حسابات مصلحية فحسب، بل ترتبط بمنظومة إيمانية ترى في هذا السلاح جزءًا من تكليف شرعي، بل من ارتباط عقائدي مباشر بفكرة انتظار المهدي المنتظر، وهي فكرة تتجاوز في رمزيتها حدود المصلحة الوطنية التقليدية".
ويتابع: "من هنا، فإن أي مطالبة علنية بضبط السلاح ضمن منظومة الدولة تُقرأ داخليًا كنوع من التفريط بالعقيدة، أو خيانة لمشروع المقاومة، الذي يرى الحزب ضرورة استمراره إلى حين تحقيق العدالة الإلهية".
ويرى أن "الدولة اللبنانية تقف اليوم أمام تحدٍ حقيقي، فهي من جهة مطالبة ببناء ثقة داخلية، خصوصًا مع أهل الجنوب الذين يعيشون على تماس يومي مع التهديدات الإسرائيلية، ومن جهة أخرى، عليها أن تقدم نموذجًا سياديًا يطمئن المجتمع الدولي وبقية الشعب اللبناني".
ويشدّد على أن "الخروقات الإسرائيلية اليومية في الجنوب تُعقّد المشهد، فهي تمنح حزب الله ذريعة دائمة أمام جمهوره بأن السلاح ضرورة لا يمكن التخلي عنها في ظل عدو لم يتوقف عن الانتهاك، كما أنها تُضعف الدولة اللبنانية وتُفقدها تدريجيًا قدرتها على لعب دور الحامي والضامن لسيادة أراضيها، ما يعمّق الشرخ بين الدولة وبيئات المقاومة، التي تعتبر أن الدولة عاجزة عن المواجهة".
ويختم الحاج: "لقد آن الأوان لفهم أن المرحلة المقبلة لا تحتمل ازدواجية في الخطاب أو تضاربًا في الرؤية، فمواجهة المخاطر الإقليمية والدولية تتطلب تماسكًا داخليًا، وشراكة صريحة بين جميع القوى اللبنانية على قاعدة احترام المؤسسات والدولة".