تحذير من مقاربة خاطئة
في هذا الإطار، حذّر الخبير الاقتصادي أنطوان فرح، في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، من الطريقة التي اختارتها الحكومة اللبنانية لتمويل زيادة رواتب العسكريين، معتبرًا أن "ربط هذه الزيادة المباشرة برفع أسعار المحروقات يُعدّ مقاربة خاطئة ماليًا واجتماعيًا، من شأنها أن تُعمّق الفجوة بين فئات المجتمع وتُرهق الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل".
وشدّد فرح على أن "تحسين القدرة الشرائية للعسكريين هو أمر أكثر من ضروري، خصوصًا بعد ما لحق بهم من تدهور وظلم في أعقاب الانهيار المالي"، لكنه رأى في الوقت نفسه أن "الحكومة اختارت الأسلوب الخطأ لتحقيق الهدف الصحيح".
المواطن في مواجهة العسكري
واعتبر فرح أن أولى الإشكاليات تكمن في مخالفة ما يُعرف بـ"مبدأ الشمول المالي"، موضحًا أن "الدولة يفترض أن تجمع إيراداتها بشكل عام، ثم تُعيد توزيعها وفق أولوياتها، لا أن تُخصص جباية محددة لإنفاق معيّن".
وأضاف: "ما جرى هو وضع المواطن في مواجهة العسكري. الرسالة كانت واضحة: سنزيد راتب العسكري، لكنك كمواطن ستدفع هذه الكلفة مباشرة من جيبك، عبر رفع سعر صفيحة البنزين. هذه مقاربة غير سليمة، وتُضعف الانتماء الوطني بدلًا من أن تعزز التضامن الاجتماعي".
ضرائب غير عادلة تطال الجميع
وانتقد فرح لجوء الدولة إلى الضرائب غير المباشرة كوسيلة لتحصيل الإيرادات، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الضرائب لا يُميّز بين الغني والفقير، ولا يراعي العدالة الاجتماعية.
وتابع: "العسكري، والمواطن محدود الدخل، والملياردير، جميعهم يدفعون نفس القيمة الإضافية على المحروقات. هذه ليست سياسة ضريبية، بل وصفة لزيادة الظلم الاجتماعي وتآكل ما تبقى من قدرة المواطن الشرائية".
المحروقات سترفع كل الأسعار
كما حذّر فرح من التداعيات السريعة لرفع أسعار المحروقات على مجمل الحياة الاقتصادية، موضحًا أن المحروقات تُعد سلعة استراتيجية تؤثّر على كل القطاعات. وقال: "الزيادات في أسعار البنزين ستنعكس فورًا على أسعار السلع والخدمات والنقل، ما يعني أن حتى العسكري الذي استفاد من الزيادة، سيُعيد دفعها عبر غلاء المعيشة. بالتالي، لا أحد يربح فعليًا، والجميع يخسر من هذه الآلية".
دعوة إلى إصلاح فعلي
وختم فرح حديثه بدعوة إلى مقاربة شاملة وعادلة في إدارة المالية العامة، بعيدًا عن الإجراءات الظرفية والضرائب العشوائية، معتبرًا أن: "الحل لا يكون بقرارات مجتزأة، بل برؤية اقتصادية واضحة تؤسس لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتُحقق عدالة ضريبية حقيقية تُنصف الفئات الأكثر تضررًا، وتُعيد توزيع الموارد بشكل فعّال".