في تصعيد غير مسبوق في الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين، نفّذت أوكرانيا هجوماً واسع النطاق بطائرات مسيّرة استهدفت قواعد جوية روسية وصولاً إلى مناطق نائية في سيبيريا، مثيرةً موجة من ردود الفعل داخل كييف وموسكو على حدّ سواء.
وأعرب عدد من كبار المسؤولين الأوكرانيين عن احتفائهم بهذا "الإنجاز النوعي"، الذي وصفوه بأنه نقطة تحوّل استراتيجية في المعركة مع روسيا. فقد نشر سيرغي كيسليتسيا، النائب الأول لوزير الخارجية الأوكراني، صورة تعبيرية لورقة لعب عليها طائرة مسيّرة، كاتباً فوقها: "ملك الدرون". من جهته، اكتفى أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بصورة لشبكة عنكبوت، في إشارة إلى الاسم الرمزي للعملية: "شبكة العنكبوت".
ونشرت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية مقطع فيديو يُفترض أنه يُظهر قاعدة "بيلايا" الجوية، وتبدو فيه عدة طائرات محترقة وسط تصاعد أعمدة دخان كثيف. أما الرئيس زيلينسكي، فأكد أن أحد مواقع التحضير للهجوم كان "قريبًا من مكتب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي – FSB"، مشيداً بالنتائج التي وصفها بـ"الرائعة للغاية"، مؤكداً أن العملية "تستحق أن تُوثّق في كتب التاريخ العسكري".
وبحسب مصادر أوكرانية، فقد استُخدمت 117 طائرة مسيّرة في الهجوم، إضافة إلى عدد مماثل من العناصر الميدانية، الذين "تم إخراجهم من روسيا في الوقت المناسب". وأوضح المصدر أن المسيّرات تم تهريبها إلى الداخل الروسي عبر إخفائها داخل هياكل خشبية في أسقف شاحنات وحاويات شحن، وتم إطلاقها عن بُعد.
واستهدفت العملية أربع قواعد جوية عسكرية، شملت مطارات في مناطق مورمانسك، وإيركوتسك، وإيفانوفو، وأمور، حيث تم تدمير أو إتلاف نحو 41 طائرة روسية، بينها قاذفات استراتيجية من طراز تو-95 وتو-22، وطائرات رادار من طراز A-50، تُستخدم عادة في القصف ضد المدن الأوكرانية.
من جهتها، أكدت وزارة الدفاع الروسية وقوع أضرار مادية في طائرات عدة، مشيرة إلى أن المسيّرات وصلت إلى مناطق تقع في أقصى الشمال الروسي، وأخرى في عمق سيبيريا. كما لفتت إلى أنه تم توقيف عدد من المشتبه بهم، بينهم سائق شاحنة استُخدمت لإطلاق إحدى المسيّرات، وفق ما أوردته وكالات حكومية.
الهجوم الأوكراني جاء في توقيت حساس، عشية مفاوضات مرتقبة بين كييف وموسكو في تركيا، بُعيد عرض روسي لإعادة تفعيل مسار تفاوضي جديد. كما تزامن مع سلسلة أحداث داخل روسيا، أبرزها انهيار جسرين في منطقتي كورسك وبريانسك، تسببا بخروج قطارين عن السكة ومقتل 7 أشخاص على الأقل، في عملية وصفتها موسكو بـ"الإرهابية"، لكن لم يتم ربطها رسمياً بعد بالنزاع مع أوكرانيا.
وأثار الهجوم موجة انتقادات داخل روسيا، حيث ندد مدوّنون عسكريون بما وصفوه بـ"اليوم الأسود لسلاح الجو الروسي". واعتبرت قناة "ريبار" القريبة من الجيش أن الضربة تمثل "خسارة قاسية جداً"، مشيرة إلى "أخطاء استخبارية فادحة" في الرصد والتأمين.
وتعيد هذه العملية التذكير بالهجمات السابقة بالطائرات المسيّرة التي استهدفت العمق الروسي منذ عام 2023، والتي ازدادت وتيرتها مع تطور قدرات كييف التقنية بدعم مباشر من حلف شمال الأطلسي، خصوصاً على صعيد المسيّرات بعيدة المدى وتكنولوجيا التشويش.
وبهذا التصعيد النوعي، يبدو أن المعركة بين روسيا وأوكرانيا بدأت تدخل مرحلة جديدة تتجاوز خطوط الجبهات التقليدية، باتجاه صراع استخباراتي وتكنولوجي متعدد الجبهات.